يوم جديد بكل ما تعنيه الكلمة من دلالة، سأبدأ في فتح النافذة التي تراكمت عليها برودة الشتاء، أزيل العتمة من أركان حجرتي، أرتب أشيائي المكدسة دون ضابط، أعيش في هذا العالم ولا أنتمى إليه، هذه حقيقة صارت تطاردني، لم أرتد ثياب الربيع بعد، بل حتى طعامي هو الآخر صار مملا فلا حساء دافيء، ولا صنف جديد على المائدة يبدو أنني أعاني من نفور مستعص ضد كل الرغبات، أحيانا أشعر بسعادة غامرة حين يبتسم لي مار بجواري في الطريق، لم يكن وجهي مألوفا لأحد من قبل، الآن أعلموني أنه يمكن لي أن أكون صديقا على واجهة التلفاز؛ شرط أن أتخلص من تلك الترهات التي سكنت عقلي زمنا لست أتذكر كم مضى منه؟
الأشياء الصغيرة تعلق بالذاكرة مثل تيار ماء مندفع، لا أستطيع التخلص بسهولة من ثيابي القديمة وكذا أفكاري العالقة بداخلي، لا أحد يشعر بك طالما أنت قابع في هذا البيت البعيد!
هذه كلمات أمي حين دخل الشتاء علينا في العام الماضي، كانت تقصد أنني مجرد كم من الكتب والأوراق، تمنت لو رأت لي زوجة قبل أن تغادرنا إلى العالم الآخر- دائما تلح في هذا- هي مسكونة بالموت، تجهز له أغراضه- تذكر الله كثيرا- لدي أفكار لما يحن أوانها، أشرع في عمل جديد، أدون نتفا مما علق بذاكرتي، يمضى العمر ويتآكل جدار البيت، تتساقط الألوان بفعل المطر، إنه عالم يتغير وأنا ساكن في هذا التل من النسيان، حين فتحت النافذة وجدت شجرة الرمان أخرجت زهورا حمراء، العصافير تشدو فرحة، الياسمينة تصدر نغما حلوا، إنه ربيع من لون خاص، يبكون موت ذلك الفيزيائي” هوكينج” بحثت عن سيرته كان ملحدا رأى الإنسان وسخا كيميائيا، اختلف الناس هل هو في الجنة أم لا؟
أنا لست مهتما بهذا، فهو لا يريد ذلك، لكنه على أية حال كان يعيش في ثقوبه السوداء، لم يغازل فتاة، كان بالتأكيد ضامر الخصيتين، لذا كان مشبعا بالجحود، فهو كائن فيزيائي واجب الذين اختلفوا فيه أن ينظروه من هذه الفجوة !
عاودني التساؤل: هل سيهتم أحد بي حين أغادر إلى العالم الآخر محاطا – جيدا- بهذا الثوب الأبيض، مثل ” هوكينج”؟
ربما لن يتباكى علي أحد، ستفتقد الجراء الصغيرة التى اعتدت أن أشركها كسرات خبزي، لست المسيح على أي وجه تلقاني، كل ما هنالك أن الأشرار أبعدوني إلى هنا، مجردا من كل رغبات الدنيا، أعيش في بيت تسكته الريح وتخلطه الفوضى ريثما تعاود الحياة سريانها من جديد، سأحاول في هذا الربيع أن أغافل الحارس الرقمي الذي يمسك بعقلي؛ أتناول طعاما آخر وأرتدي ثوبا قرمزيا، سأضع رابطة عنق صفراء؛ علها تراني مثل زهرة الأقحوان البرية، لا أريد أن أكون مثل هوكينج هذا، علي أن أغوص في ماء النهر، أجري وأترك ساقي للريح، أفترش الأرض وأتغطى بالسماء، لن أرى ثقوبا سوداء مرة ثانية، وجهها جميل، أتذكر أنني رسمت لها صورة بقلمي الرصاص، لا أدري أين وضعتها، هل كانت خيالا؟
فينا أصنام نلوذ بها ونخشى أن تتحطم كلما عاودنا التفكير في جدواها، هذه تشبعنا بها ونحن صغار، لا وجود للغول الذي بسكن الحارة المظلمة، إنه الخداع!