“لم نكن نتصور يوماً من الأيام أن العودة لقرانا ومدننا ستتأخر 70 عاماً”.. بهذه الكلمات بدأ الحاج حميد أبو حميد حديثه لـ”المجتمع” عن حلم العودة لمدينته بئر السبع التي هجر منها على يد العصابات الصهيونية عام 1948، ليعيش هو وأسرته رحلة التشرد والضياع التي امتدت لسبعة عقود تنقل خلالها بين الكثير من البلدان ليستقر به المقام في مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة.
ويقول الحاج أبو حميد: رحلة طويلة من الألم والقهر والمعاناة، لكن على الرغم من طول المدة سأعود إلى بئر السبع، والتي من هذا المكان شرق غزة اشتم رائحتها.
وأكد أبو حميد وقد بدت عليه علامات القهر والألم وهو يتحدث عن بئر السبع عن حقول القمح فيها وسهولها: “سنعود يوماً إن لم نكن نحن فأحفادنا سيعودون”.
وشاطره ذلك الحاج أبو محمد أبو حسنين الذي عاش وترعرع في بلده بيت جرجا داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ويقول أبو حسنين لـ”المجتمع”: ما زالت أتذكر بيت جرجا، أتذكر كيف كانت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر بحق الفلسطينيين العزل، كل يوم نسمع مجزرة، وبريطانيا التي كانت تحتل فلسطين في ذلك الوقت كانت صامته على الجرائم والمجازر الصهيونية.
وتابع: في مثل هذه الأيام قبل سبعة عقود حدثت الكارثة التي ما كنا نتوقعها، هاجمت العصابات الصهيونية قرانا ومددنا وأحرقت الحقول وبقرت بطون الحوامل وحرقت المساجد، بهدف تهجيرنا من قرانا.
وأضاف: في بداية الأمر صمدنا في وجه العصابات الصهيونية وقمنا بمقاومتهم، لكنهم كانوا مسلحين بأحدث أنواع الأسلحة، مدفعية، طيران، أسلحة رشاشة، ونحن في القرى والبلدات بصعوبة نحصل على قطعة سلاح قديمة، وذخيرة كانت مرتفعة الثمن.
وأضاف أبو حسنين: بعد ارتكاب المجازر أدركنا أن الموت يطاردنا من كل جانب، فهرنا مع أهلنا وجيرانا كلاً حسب وجهته، فمنا من هاجر إلى الأردن ولبنان ومصر، وعائلتي استقر بها الحال في قطاع غزة.
وأكد أبو حسنيين كنا في بداية الأمر نعتقد أننا سنعود بعد أيام لقرانا ومدننا، لكن الأمر طال، والآن مرت علينا سبعة عقود على نكبتنا، ولكن على الرغم من مرور تلك الفترة فإن حلم العودة ما زال ماثلاً أمامي وإن شاء الله سيتحقق هذا الحلم، والشعب الفلسطيني على مدار العقود الماضية قدم عشرات آلاف الشهداء من أجل الدفاع عن فلسطين وها هو يدافع عنها.
أما الحاجة أم كامل الحميدي التي هاجرت من بئر السبع وكان عمرها نحو 17 عاماً تقول لـ”المجتمع”: طاردتنا العصابات الصهيونية في كل سهل ووادٍ، وارتكبت المجازر، وهربنا والموت يلاحقنا إلى سيناء من أجل النجاة بأرواحنا، ومات طفلي وكان رضيعاً أثناء السير على أقدامنا، لأننا بقينا عدة أيام بدون ماء ولا غذاء إلى أن استقر بنا المقام في سيناء، وبقينا في سيناء نحو خمس سنوات، ورجعنا إلى غزة، واستقر بنا المقام بها، رحلة ألم وقهر وحرمان وجوع عشناها في النكبة.
وأكدت الحاجة الحميدي أنه على الرغم من طول المدة وعمري الذي يبلغ 87 عاماً، لكنني مازالت أحلم بالعودة لبئر السبع لأعيش فيها بقية حياتي، يا رب يتحقق الحلم بالعودة وأن أشاهد الأماكن التي عشت فيها وأنا صغيرة، الله ينصرنا على اليهود.
وتعد الأجيال الفلسطينية التي عاشت في فلسطين قبل النكبة مصدراً للأجيال الفلسطينية، وورث هؤلاء الأجيال لأحفادهم تاريخ بلداتهم التي هجروا منها، بل ورسخ هؤلاء مفاهيم وعادات مازالت ماثلة وتمارس من قبل هؤلاء اللاجئين في مخيماتهم على الرغم من مرور سبعين عاماً على النكبة والتشرد.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين حالياً نحو 5.6 مليون لاجئ فلسطيني، يعيشون في ظروف قاسية في مخيمات للاجئين الفلسطينيين أقيمت في الشتات في سورية الأردن ولبنان، وكذلك في مخيمات أقيمت في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد مارست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تقليصات في خدماتها المقدمة للاجئين بسبب وقف واشنطن مساهماتها المقدمة للأونروا ضمن مخططات الاحتلال وواشنطن لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.