رسخ القرآن الكريم مفهوم الحوار والتشاور في أذهان المؤمنين ترسيخاً عميقاً في كثير من آياته، تارة بالأمر الصريح بانتهاج أسلوب الحوار كما في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وتارة بوصف المؤمنين في معرض مدحهم بقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]. وتارة بذكر تفاصيل كثير من الحوارات؛ كحوار الأنبياء مع الكفار من أقوامهم، أو حوارهم مع أتباعهم المؤمنين وغير ذلك.
وتعدّ المشورة من أساسيات أي حكم عادل وعند محاولة تطبيقها في الأسرة يجب على الوالدين مراعاة عملية التطبيق وإدراك مدى أهميتها وتأثيرها على حياة الطفل الذي ستغرس فيه الكثير من المفاهيم الإيجابية التي ستنعكس عليه عند الكبر.
الشاعر: تجعله يشعر باهتمام
في هذا الإطار أكد الأخصائي الاجتماعي د. درداح الشاعر أن المشورة أمر ضروري جداً للإنسان في كل مراحل حياته فهي تجعله يشعر باهتمام البيئة به وأنه جزء من المنظومة الأسرية والاجتماعية وصورة من صور التواصل والتفاعل مع الأسرة وتقدير لنشاطه وعمله العقلي وتقدير لشعوره بالانتماء والولاء للأسرة.
وقال في حديث لـ “بصائر” إن:” مستوى المشورة والموضوعات التي يتم مشاورة الطفل فيها تكبر مع كبر الطفل وتطور النمو العقلي له وربما تبدأ منذ قيام الأهل بشراء بعض الحاجيات المتعلقة بالطفل.
وأضاف الشاعر: “حيث يمكن البدء به من خلال مشاورته بأي الألعاب يريد وأيهما يوافق عليها والتي ستدخل السرور على نفسه وهذه المشورة بسيطة تكون مناسبة لعقل الطفل، كما يمكن سؤاله عن أي طعام يمكن إعداده في المنزل ليتم إحضاره من السوق وما هو أفضل مكان يمكن الذهاب إليه للتنزه”.
و دعت دراسة اجتماعية في غزة إلى اعتماد مبدأ التشاور والإقناع أسلوباً للعلاقات الأسرية بين الوالدين والأبناء، مؤكدة أهمية البعد عن توجيه الأوامر للأبناء والتشدد في ضرورة تنفيذها، وألا يعقبها نقاش حاد بين الطرفين، يزيد من تصدع الشقوق في جدار العائلة، وتجد أن أفرادها غرباء يعيشون تحت سقف واحد، ينشغل كل منهم بحياته، ويقضي معظم وقته مع وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وبين الشاعر أن المشورة تُرسخ المعاني الجميلة في نفسية الأبناء من حيث العمل الإيجابي والمشاركة والمساهمة والإحساس بالمسئولية، حيث من الضروري مشاورة الطفل والأبناء ولكن بمستوى وبموضوع يتماشى عقلياً واجتماعياً وثقافياً مع قدرة الطفل على الفهم والإدراك والوعي.
وشدد الشاعر على أن المشورة مبدأ عام ولا يجب أن تقتصر فقط على البيت ويوازيها قمع في المدرسة أو في المسجد وغيرها من المؤسسات المجتمعية والمساهمة في عملية التنشئة الاجتماعية.
وأكد على أنه يجب أن تكون المشورة في كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية ابتداء من الأسرة والمدرسة ووسائل الثقافة والإعلام والمساجد وغيرها من المؤسسات، مشيراً إلى أن المشورة مبدأ في الحياة وليست جزءاً مقتطعاً من حياة الفرد يتم داخل الأسرة وهي مبدأ أساس في التواصل والتفاعل وإنجاح العلاقات الاجتماعية وصقل الشخصية الإنسانية.
وأشار إلى أن المشورة عملية تربوية تعتبر حلقة في سلسلة متصلة ومترابطة يجب أن تُرسخ عند الأطفال، حيث من أهداف التنشئة أن تتواصل وكالات التنشئة متضافرة الجهود ومتماسكة الأيدي في بلوغ هدف محدد.
أبو هين: قد يكون الحزم مطلوبا
من جهته قال الدكتور والأخصائي الاجتماعي والنفسي فضل أبو هين: إن أسلوب الإقناع والتشاور هو الأنسب كي يضمن تنفيذ ما اتفق عليه بين الآباء والأبناء، دون الحاجة إلى متابعة أو رقابة، مشيراً إلى أنه إذا ضمن تنفيذ ابنه لما اتفق عليه، دون أن يكون موجودا في هذه الحالة، فهو يستحق أن يأخذ رأيه في المسائل الأسرية.
وأضاف في حديث لبصائر: في بعض الأحيان لا يمكن الجزم بأفضلية أسلوب دون آخر، فبعض المواقف التربوية تحتاج إلى الترغيب والتخويف، فمثلاً حين يرفض أحد الأبناء الذهاب إلى المدرسة دون سبب مقنع، أو مصاحبة «شلة» معينة، فيتطلب هذا الأمر الجلوس مع الابن، وشرح له مضار ذلك، لكن إن أصر الابن وتمسك برأيه، فإن الأمر يتطلب من الأب أن يكون حازماً ويتخذ القرار المناسب؛ لأن الابن لا يدرك أنه يتصرف بطريقة قد تؤثر على مستقبله.
وأشار إلى إن الاستقرار الأسري مصدر مهم في إكساب الأطفال المهارات والقيم والعادات والتقاليد، لافتا إلى أن الطرق التربوية السليمة تلعب دوراً مهماً في بناء المعرفة العقلية والذهنية السليمة لدى الأطفال، حيث أظهرت الدراسات العالمية أن استخدام الطرق الإيجابية في التنمية الأسرية تساعد على الإنتاجية في الحياة وتسهم في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن وفي بناء وتشكيل الهوية لدى الأبناء.
وأكد أنه يجب على الآباء اتباع طرق تنسجم مع طبيعة الأبناء وتجنب الطرق التربوية السلبية مثل الضرب والتوبيخ والإساءة؛ وذلك للمساهمة في تنشئة أجيال قادرة أن تكون قادة في المستقبل تسهم في رفعة هذا الوطن وتنميته في كافة المجالات.
وأشار إلى أن شخصية الطفل تتشكل في المرحلة التي يقضيها مع الأسرة وقبل ذهابه إلى المدرسة، لذلك فإن الأسرة تلعب دوراً أساسياً في بناء شخصية الطفل في مجالات بناء الشخصية المتفاعلة، المتعاونة، المنتمية.
وأوضح أن العلاقات الأسرية تحتاج إلى نقاشات وحوارات بشكل دائم، وهو ما تؤكده الدارسات الاجتماعية في هذا الشأن، بل إن الاستشاريين يشجعون عليها، خاصة أن ما يحدث الآن من تشنجات وتعصبات سواء في الحوارات التلفزيونية، أو من خلال ما نراه في الجيل الرابع من وسائل الإعلام «مواقع التواصل الاجتماعي»هو فقدان لقواعد التربية وأساليبها.
ولفت إلى أن إشراك الوالدين للأبناء في عملية صنع القرارات الأسرية تنمي فيهم الثقة في النفس، وتسهم في صقل شخصياتهم ومهاراتهم الاجتماعية ليصبحوا قادرين على التعامل مع المجتمع الخارجي، وتكوين علاقات اجتماعية مبنية على احترام وتقبل الرأي الآخر خارج نطاق الأسرة، لتنشئة جيل يسهم في تكوين مجتمع قادر على إتقان فن الحوار.
وشدد على أن إعطاء الوالدين الأبناء نوعاً من الحرية، لا يعني ذلك عدم تدخل الأهل في شؤونهم عن طريق إرشادهم وتوجيههم، فهم مازالوا في حاجة إلى من هم أكثر منهم خبرة في الأمور الحياتية.
————
* المصدر: بصائر تربوية (بتصرف)