لجأت إلى حقول الزيتون هرباً من قصف النظام السوري وحلفائه، وأحاطت نفسها وأطفالها بأقمشة بالية تحت إحدى الشجرات، وجلست تنتظر حلول موعد الإفطار.
لم تكن فاطمة عاصي تعرف إن كانت ستحظى بما سيسد رمقها وأطفالها الأربعة عند الإفطار، أم أن ليل جوعهم سيصل نهاره، بانتظار معجزة قد تحمل لهم بعض الطعام يسدون به جوعهم عقب صيام يوم طويل وحار.
وفي الواقع، فإن فاطمة لا تمثل حالة منفردة، وإنما لا تعدو أن تكون سوى واحدة من مئات الآلاف من النازحين ممن اضطروا للنزوح هرباً من استهداف النظام منطقة خفض التصعيد في منطقة إدلب، شمالي سورية.
وعقب فرارهم، افترش هؤلاء النازحون الحقول بالقرب من الحدود التركية، في بلدات أطمة، وقاح، ودير حسن، وكفرلوسين، وغيرها من القرى، بانتظار من يمد يد العون لهم.
ووصل النازحون إلى حقول الزيتون وهم لا يحملون معهم سوى بعض البطانيات، وقطع من القماش يلفون حول الأشجار، لتصبح مأوى لهم.
وتواصل قوات النظام السوري وحلفائه الروس والمجموعات الإرهابية التابعة لإيران، قصف الأحياء السكنية في منطقة خفض التصعيد، تزامناً مع عملية عسكرية برية جنوبي المنطقة أطلقتها نهاية أبريل الماضي، وتقدم من خلالها في عدد من القرى والبلدات.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة، وعدم توافر الغذاء الكافي لإطعام هذا العدد الكبير من النازحين، يصبح الصيام صعباً وأكثر مشقة.
وقالت فاطمة عاصي التي نزحت من قرية الشريعة بريف حماة: إنها بالكاد نجت من الموت بعد القصف العنيف الذي تعرضت له القرية.
وأضافت: جئت إلى هذا الحقل، ولم أجلب معي شيئاً، واتخذت من ظل شجرة الزيتون مأوى لي ولأطفالي.
تصوم بدون تناول وجبة السحور، وذلك منذ حلول شهر رمضان الكريم؛ ما يسبب لها الدوار.
والأحد، قالت: إنها حصلت على بعض الأرز من أجل الإفطار، ولا تدري فيما إذا كانت ستحصل في اليوم التالي على بعض الطعام عند حلول وقت الإفطار أم لا.
أما منزلها في قريتها، الذي يبلغ عمره 50 عاماً، فقد دمره القصف، وبكت عليه كثيراً، مشيرة إلى أنها ترغب في العودة إلى قريتها، لأن لا مكان أفضل بالنسبة إليها من بلدتها.
من جانبها، قالت فاطمة ياسين، وهي نازحة من قرية حسانة بريف إدلب الجنوبي: إن قريتها تعرضت لقصف شديد من الأرض والجو؛ ما تسبب في هدم منزلهم في القرية.
وأضافت لـ”الأناضول”: نجونا بأرواحنا، لكننا لم نجد مأوى نخلد إليه ولا طعاماً نأكله، والجيران أعطوني وأطفالي بطانية وفراشاً.
ولفتت إلى أن كل ما يمكنها تناوله عند الإفطار هو كأس من الشاي، مؤكدة أن ما تقوله هو الحقيقة، وأن من لا يملك الطعام يظل صائماً ليلاً نهاراً.
ولم تطلب فاطمة أي شيء سوى الحصول على طعام وخيمة تأوي إليها وأطفالها، ذلك أن الطقس يكون بارداً في الليل وحاراً في النهار، ما يصيب الأطفال بحالات من الإسهال جراء ذلك.
وأدى قصف النظام وحلفائه على منطقة خفض التصعيد إلى مقتل 140 مدنياً، وإصابة أكثر من 375 آخرين، منذ 25 أبريل الماضي، حسب ما أفادت مصادر بالدفاع المدني لـ”الأناضول”.
ومنتصف سبتمبر 2017، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانة (تركيا وروسيا وإيران) توصلها إلى اتفاق على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب، وفقاً لاتفاق موقّع في مايو من العام نفسه.
وفي إطار الاتفاق، تم إدراج إدلب ومحيطها (شمال غرب) ضمن “منطقة خفض التصعيد”، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وحالياً، يقطن في منطقة “خفض التصعيد” نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف ممن هجرهم النظام من مدنهم وبلداتهم بعد سيطرته عليها.