توصل الجانبان التركي والأمريكي إلى اتفاق أوليّ بعد أن هددت تركيا بالهجوم على القوات الكردية شرق الفرات، وقد تمثل الاتفاق الذي جاء مع بعض المستجدات في التفاهم على ما يلي:
– إنشاء ممر سلام، ولكن لم يتم التوافق على عمقه، حيث تريد تركيا 30 كيلومتراً، بينما يريد الأمريكيون 15 كيلومتراً، وتريد تركيا عمق 30 لأنه يعطيها سيطرة على الطرق الرئيسة والمدن التي يسيطر عليها الأكراد مثل عين عيسى وغيرها.
– غرفة عمليات مشتركة.
– تدابير لضمان عودة السوريين للمنطقة الآمنة.
– تنفيذ الاتفاق تدريجياً.
وبالفعل، بدأ تنفيذ غرفة التنسيق المشتركة في مدينة أورفا، وسيتم إرسال دوريات مشتركة بعمق 5 كم بطول 150 كم باستثناء بعض المناطقة التي تتواجد فيها القوات الكردية، كما سيتم إنشاء 5 قواعد مشتركة، وتسعى أنقرة لتغيير الإدارة المحلية لمدينة عين العرب لتكون مشكَّلة من المكون العربي والكردي.
هناك جهود تركية لإنجاح الاتفاق مع واشنطن، ويبدو أن الجانبين اختارا العمل معاً، ولكن الأتراك مقتنعون أن الاتفاق أوليّ، وقد تشهد أي مرحلة فيه توترات، ولذلك لم يسقطوا أبداً احتمال أن المسار الذي تمارسه واشنطن لا يعدو كونه عملية إلهاء، لذلك تم إبقاء الحشود جاهزة على الحدود بانتظار إشارة من أردوغان لبدء العمليات ضد القوات الكردية، خاصة أن الأتراك تعرضوا للخداع والإلهاء من المفاوضين الأمريكيين بخصوص مدينة منبج في عهد إدارة أوباما.
هناك عامل جديد ما زال غير معروف في المحادثات الحالية؛ وهو أن الذي يدير المحادثات التفصيلية هي قيادة القوات الأمريكية في أوروبا، وليس قادة القوات المركزية الأمريكية المعروف عنها رفض التخلي عن القوات الكردية؛ وبالتالي ما زال الأتراك غير متأكدين من وجود فرق بينهما، وقد يكون هذا إحدى وسائل الإلهاء الأمريكية الجديدة، حيث إن ثمة رأياً يرى أن استخدام الأمريكيين لوحدات الحماية الكردية يأتي في سياق الإستراتيجية الأمريكية شمال سورية ولا يمكن التراجع عنه.
مستقبل وحدات الحماية
لا يشمل الاتفاق أي توافق على مستقبل الوحدات الكردية، ولذلك هناك 3 سيناريوهات لمستقبلها، كما يرى عدد من الإستراتيجيين الأتراك، وأولها شرعنة هذه القوات مع مرور الزمن من خلال الترويج الأمريكي أنها منفصلة عن حزب العمال، ومن خلال دعوات ليبرالية من داخل تركيا، ولكن تركيا غير مقتنعة بهذا المسار حالياً.
ويكمن الخيار الثاني في تنفيذ مقترح أردوغان وهو تصفية قوات سورية الديمقراطية من عناصر وحدات الحماية، وإبدالهم بقوات عربية وكردية من أبناء المنطقة، وهذا خيار يحتاج مباحثات طويلة، أما السيناريو الأخير فهو تصميم أنقرة على عملية تطهير عسكرية، وهذا الخيار يتطلب مباحثات موسعة.
يرى الأتراك أن الاتفاق الحالي في صالح تركيا في حال انسحبت واشنطن، كما أن تخلي واشنطن عن الأكراد الذين يهددون بالتوجه لروسيا والنظام في حال حدث ذلك سيكون في مصلحة تركيا؛ لأن الروس ليس لديهم الكثير ليقدموه للأكراد، كما أن الأتراك جاهزون وفق السيناريو الأخير لأي تراجع عن الاتفاق للبدء في عملية تطهير عسكرية للمنطقة، وهذا الخيار له تكلفته وحساباته.
ووفقاً لمصدر عسكري تركي، فقد قال: “لا يمكن اعتبار منطقة بعمق 10-15 كم مكسبًا؛ لأن وجود تنظيم “ي ب ك” سيستمر في شرقها وغربها، قد تجري تركيا دوريات مع الولايات المتحدة، لكن هذا لا يحقق الهدف السياسي، بمعنى أن التنظيم الإرهابي لن يصبح خارج اللعبة”.
تسعى تركيا للتفاهم مع الأمريكيين، لكنها مستعدة لفشل المفاوضات وجاهزة لعملية عسكرية، ولكنها تفضل الحوار ولا تريد تخريب علاقاتها مع واشنطن تجنباً لعقوبات جديدة بعد إخراجها من برنامج “إف 35” على إثر حصولها على منظومة “إس 400″، حيث يتوقع أن يتم تطبيق عقوبات جديدة مع بدء تشغيل المنظومة.
ما زالت الخلافات بين أنقرة وواشنطن قائمة في ملفات أساسية وليست فرعية، ولعل الخيار الأرجح هو عدم التوافق على المدى المتوسط والبعيد، وأن الاتفاقات الأولية الجارية هي اتفاقات تكتيكية لمنع تركيا من شن عملية قوية على القوات الكردية، ولأن أنقرة لا تريد في هذه الفترة المزيد من العقوبات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تعطي فرصة أخرى للمباحثات للوصول إلى أهدافها أو بعضها.