رغم الفوز الساحق الذي حققه اليمين المتطرف في بريطانيا بفوز حزب المحافظين بأغلبية المقاعد في انتخابات البرلمان الأخيرة، ما يخشى معه تزايد العنصرية والإسلاموفوبيا في البلاد، فقد حقق النواب المسلمين بالبرلمان البريطاني انتصاراً كبيراً ونجحوا في زيادة نسبة مقاعدهم.
وعلى حين استقبل المسلمون أنباء فوز رئيس الوزراء “بوريس جونسون” بأغلبية كبيرة (365 مقعداً من 650)، بعدما كانوا يفضلون فوز “جيرمي كوربن”، رئيس حزب العمال الأكثر قرباً من العرب والمسلمين (فاز بـ 203 مقعد فقط)، حملت نتائج الانتخابات مع هذا أخباراً جيدة للمسلمين، بارتفاع عدد المقاعد التي يشغلها نواب مسلمون في البرلمان إلى 18 مقعداً، بزيادة ثلاثة مقاعد على انتخابات 2017م.
كيف فاز المسلمون؟
خاض 70 مرشحاً مسلماً المعركة الانتخابية في بريطانيا هذا العام 2019م، مقارنة بـ 44 مرشحاً فقط في انتخابات 2017م، ما ساعد في زيادة حصتهم من المقاعد البرلمانية إلى 18 مقعداً، وكانت التوقعات تشير إلى إمكانية أن يفوز 22 مرشحاً مسلماً، لكن الخسارة الكبيرة التي مني بها حزب العمال حالت دون ذلك لترشح أغلبهم على قوائمه.
فقد ترشح على قوائم حزب العمال 33 نائباً من أصول مسلمة، وكان متوقعاً فوز 16 منهم، ولكن فاز 5 فقط، بينما رشح حزب المحافظين 22 مرشحاً مسلماً على قوائمه، فاز منهم 4 فقط.
أيضا رشح الحزب الليبرالي الديمقراطي (الذي لم يسبق أن قدم أي مرشح مسلم في الانتخابات الماضية) 17 مرشحاً مسلماً للمنافسة على مقاعد البرلمان، إلا أن النتائج الكارثية للحزب في هذه الانتخابات حالت دون فوز أي منهم.
وبذلك سيمثل حزب العمال في البرلمان 14 نائباً مسلماً، من بينهم ثلاثة نواب جدد، في حين يقتصر تمثيل النواب المسلمين في صفوف حزب المحافظين داخل البرلمان على أربعة مقاعد بزيادة مقعد واحد.
وتشير النتائج إلى أن ثلثي النواب المسلمين في البرلمان البريطاني من أصول باكستانية، يليهم نواب من أصول بنغالية، ونائب واحد من أصل إيراني وآخر كردي، ولم يسجل أي تواجد لنائب من أصول عربية.
ويظهر من خلال قائمة المناطق التي فاز فيها مرشحون من أصول مسلمة، أنهم يتمركزون بالأساس في العاصمة البريطانية لندن ومدينة بيرمنجهام المعروفة بكثافة المسلمين فيها.
ففي منطقة “إيلينج” غربي العاصمة لندن، حقق المرشحون عن حزب العمال أغلبية ساحقة بالنظر إلى الوجود الكبير للناخبين العرب والمسلمين البريطانيين، وفي مدينة بيرمنجهام منح الناخبون أربعة مقاعد للمرشحين المسلمين.
3 ملايين يمثلهم 18 نائباً
ويعتبر ارتفاع عدد النواب المسلمين في البرلمان تطوراً طبيعياً بالنظر لتزايد أعداد البريطانيين المسلمين الذين تشير بعض التقديرات إلى أنهم بلغوا ثلاثة ملايين نسمة، ثلثهم (مليون شخص) له الحق في التصويت من أصل 46 مليون ناخب بريطاني، علماً بأن إجمالي عدد المشاركين في الانتخابات الأخيرة بلغ 31.9 مليوناً.
وفي عام 2016م كان هناك 13 نائباً مسلماً في مجلس العموم البريطاني، من أصل 650 نائباً في المجلس، 9 بينهم نواب عن «حزب العمال»، و3 نواب عن «حزب المحافظين»، ونائباً واحداً عن «الحزب القومي الإسكتلندي».
وثمانية من بين الـ 13 نائباً مسلماً في مجلس العموم البريطاني في ذلك الحين كانوا من النساء، أي أن نسبة تمثيل المسلمين في البرلمان تبلغ 2% فقط، بينما نسبتهم وسط السكان 4,5 % .
وهناك 11 عضواً مسلماً في مجلس اللوردات البريطاني، البعض منهم أعضاء في الأحزاب وآخرون مستقلون، 5 نساء 6 رجال.
وأبرز المسلمات في المجلس البارونة سعيدة وارسي وكانت أول مسلمة تتولى منصباً وزارياً في الحكومة البريطانية.
وتولت وارسي منصب نائب زعيم حزب المحافظين خلال الأعوام 2010-2012م، ووزيرة دولة للشؤون الخارجية والكومنويلث ووزيرة الدولة لشؤون الأديان والشؤون الاجتماعية، واستقالت من منصبها احتجاجاً على موقف الحكومة البريطانية من الصراع الفلسطيني ـ “الإسرائيلي”.
وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن هناك ما يقارب الثلاثة ملايين مسلم في بريطانيا (يشكلون نحو 4.5% من عدد السكان). إضافة إلى ما يقارب المليون عربي يعيشون في بريطانيا، ومن بين هؤلاء هناك أعداد كبيرة ممن يحملون الجنسية البريطانية، ويتمتعون بحقوق المواطنة جميعها، ومنها حق التصويت.
وحسب إحصاءات رابطة مسلمي بريطانيا هناك 2.7 مليون مسلم في بريطانيا يمثلون نحو 4.8 % من السكان، أغلبهم من أصول آسيوية وخاصة من باكستان وبنجلاديش بينما لا يتجاوز عدد العرب في بريطانيا 178 ألف شخص.
ويوجد 1200 مسجد في شتى أنحاء بريطانيا، وأقدم مسجد تم تأسيسه يعود لعام 1860م في كارديف، عاصمة إقليم ويلز.
غير أن كثيراً من الناشطين من أصول عربية، في صفوف الأحزاب البريطانية، يلومون على أبناء الجالية العربية، عدم انخراطهم في الأحزاب السياسية، وحتى عدم اهتمامهم بالتصويت في الانتخابات، كما أن تأييد المهتمين بالسياسة منهم، يتوزع بين العديد من الأحزاب، ولا يتركز في تأييد حزب بعينه.
وبجانب ما يتجاذبهم من سياسات تمس حياتهم اليومية كبريطانيين، باتت قضية الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها بريطانيا تلقي بظلالها، على اختيارات الناخبين من أصول عربية، إذ يرى مراقبون أن هذه الهجمات تستهدف عزل الجالية العربية والمسلمة في بريطانيا عن المجتمع، خصوصاً من جانب التيار اليميني المتطرف في السياسة البريطانية.
الاعتداء على المسلمين يزيد الاقبال علي الإسلام!
عقب هجمات 11 سبتمبر 2001م تنبأ كثيرون في الغرب أن تكون هذه الهجمات هي كلمة النهاية للإسلام في أمريكا والغرب عموماً فكانت المفاجأة بعد تداعيات الأزمة المختلفة، تزايد أعداد المؤمنين بالدين الإسلامي، بعدما أقبلوا على القراءة عن هذا “العدو الجديد” وعرفوا حقيقته.
وعقب هجمات لندن ومدريد وباريس وظهور داعش وانتشار الصورة السلبية النمطية عن الإسلام كدين عنيف يستخدم السيف لقطع رقاب مخالفيه، واستغلال منظمات كنسية ويهودية متطرفة ووسائل إعلام غربية هذه الحوادث في تشويه الإسلام، وانتشار حركات مثل حرق القرآن للقس المتطرف تيري جونس، وحرق مساجد المسلمين في أوروبا، فوجئ الجميع بظهور مشاهير أمريكان وحديثهم الإيجابي عن الإسلام.
فالممثل الأمريكي “بن أفليك” – غير مسلم – انبرى على شاشات التلفزيون الأمريكي في حلقة من برنامج “ريال تايم” ليدافع بحرارة عن الإسلام والمسلمين ضد انتقادات وكلام اعتبره “مقززاً وعنصريا” قاله “بيل ماهر” المعروف بإلحاده وبميوله اليسارية المتطرفة على شبكة “أتش بي أو”.
ومضى يقول “هناك مليار شخص ليسوا متطرفين ولا يسيئون إلى النساء ويريدون الذهاب إلى المدارس والصلاة خمس مرات في اليوم ولا يقومون بأي من الأمور التي تقول إن المسلمين يقومون بها”، وأضاف “لقد قتلنا من المسلمين أكثر مما قتلوا من صفوفنا بفارق كبير”.
https://www.youtube.com/watch?v=-9qYmsGfz9U
والممثل ليام نيسون البريطاني الذي أشيع أنه اعتنق الدين الإسلامي، خلال تصويره لفيلم «2Taken » بمدينة إسطنبول التركية، بعث ضمناً برسالة إيجابية عن الإسلام للغربيين، بعيداً عن اتهام الدين بالعنف حين قال: “عندما كنت في إسطنبول وسمعت صوت الآذان كان شيئًا غريبًا عليّ، لكنه بعد ذلك دخل إلى قلبي وشعرت بشيء من الروحانيات، لكن شائعة إسلامي غير حقيقية”.
وكان حديث “نيسون” عن الصلوات الخمس في اليوم، وما شاهده من مسلمي تركيا من تقدم وحضارة ودور الإسلام في سعادتهم، وقراءته عن الإسلام نفسه، من أسباب هذا التغيير الذي جعله لا يعتقد في الاتهامات التي توجه للمسلمين واعتباره أن مثلها يوجه لمتطرفين مسيحيين دون أن يشوه هذا المسيحية.
ويقول مفكرون مسلمون وكتاب وأئمة مساجد إن “المثير للغاية أن الكثيرين ممن تحولوا إلى الإسلام لم نكن نحن المسلمين مَنْ قدم لهم الصورة الجيدة عن الإسلام، ولم يؤد الكثيرون منا دوراً مؤثراً في إسلامهم، إنما يأتي دخولهم إلى الإسلام، بسبب حادثة ما، أو رغبتهم في إيجاد ملاذ نفسي آمن”.
وقالوا: إن “معظم الداخلين للإسلام قرأوا كتباً وأبحروا في الفضاء الإلكتروني للتعرف عليه، وتعمَّقوا بشكل جلي في فهم الإسلام كما يجب”، وبعضهم قال لأصدقاء مسلمين بعد إسلامه “إنهم يدركون بصورة جلية أن بعض المسلمين لا يمكن أن يمثلوا الصورة الحقيقية لهذا الدين، وأنهم يدركون أن هناك حدوداً بين تعاليم دين ما وأتباع هذا الدين الذين قد يفعلون ما هو مخالف هذا الدين أحياناً”.
وقد تحدثت صحيفة “تليجراف” البريطانية عن تفوق مرتادي المساجد في انجلترا وأوروبا على مرتادي الكنائس، إذ لم يزد الذين يتوافدون على الكنائس عن 670 ألف متعبد مسيحي كل يوم أحد، في الوقت الذي فاق عدد مرتادي المساجد في إنجلترا 680 ألف مصلي خلال أيام الجمعة، بحسب تليجراف.
ولأول مرة في تاريخ البشرية، صار عدد المسلمين أكبر من الكاثوليك، باعتراف الفاتيكان، الذي اعترف الناطق الرسمي بأن عدد المسلمين قد فاق عدد المسيحيين الكاثوليك، ولا يوجد أي أمل لتوقيف هذا الزحف، ولا يمكن لأقلية أن تتفوق على الأكثرية، بل عليها ألا تستفزها.
وكانت حملة “زر مسجدي” التي نفذت في 17 مسجداً في بريطانيا، قبل سنوات مفيدة للغاية في تعريف الكثير من الغربيين على حقيقة الاسلام، وهو ما دفع بعض من زاروا المساجد من البريطانيين للكتابة على مواقع التواصل أن: “هناك حاجة إلى تعميم هذه الحملة في جميع الدول الأوروبية، وأن تشارك فيها جميع الجمعيات والمراكز والهيئات والتجمعات الإسلامية، بشتى ألوانها وتوجهاتها ومذاهبها وأصول القائمين عليها وجنسياتهم لكي يشاهد الأوربيون المساجد ويتناقشوا مع من فيها حول حقيقة الإسلام مباشرة”.