يعيش أطفالنا وشبابنا في أوروبا صعوبات متنوعة، من أهمها بناء وترسيخ الهوية الإسلامية، وتلك الغاية تتطلب جهدا وتفكيرا في الوسائل التي نحقق بها ما نتطلع إليه، ومن المقرر أن الوسائل تتنوع وتتعدد، ولكل وسيلة أثرها العلمي والتربوي والاجتماعي. وقد قطعت المؤسسات الإسلامية في أوروبا شوطا طيبا في تأسيس كثير من المناشط التعليمية والتربوية التي تهدف إلى المساهمة في بناء الأجيال الجديدة بناءً روحياً وأخلاقياً واجتماعياً وثقافياً.
ومن أهم الوسائل التربوية التي ينبغي علينا أن نعطيها اهتماما ونبذل من أجلها الجهد المطلوب، تنظيم المخيمات للأطفال والشباب على الساحة الأوروبية والعالمية بقدر الإمكان، وعلى المساجد في الغرب خاصة أن تعطي للمناشط التربوية أولوية كبيرة؛ ذلك لأنها تأتي في سياق أولويات متعددة، من أهمها: تكوين وتربية الأجيال الجديدة، وتعميق معالم الإيمان في قلوبهم، وقد وجدتُ أننا بحاجة لتعميم ثقافة العمل التربوي المتخصص على الساحة الأوروبية، ونقل الخبرات والتجارب بين العاملين سعيا إلى التطوير الذاتي لأعمالنا والاستفادة من الموارد البشرية، وإتاحة الفرص أمام الطاقات المعطلة. ولذلك جاء هذا المقال. وإنني على يقين أن ميدان العمل هو خير مُعلم، ولا يعني ذلك اقتحام المهام قبل بلوغ الحد الأدنى من التدريب والتأهيل.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الحكومية في أوروبا لديها دورات خاصة لتأهيل المختصين للتعامل مع الشباب والأطفال، وما أحسن الجمع بين التدريب والتأهيل بين المؤسسات الأوروبية والإسلامية، و”الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها”.
ليس سهلا تنظيم المخيم كما يظن البعض، ومن شارك فيه يدرك كم يتطلب من التعب والإرهاق، إنه يتطلب: “نوما قليلا وتعبا كثيرا” غير أن السعادة التي يجدها المشرف بعد الفراغ من العمل تخفف عنه إرهاق السفر والسهر. وتلك النتائج التي تصل إلينا عبر تعليقات المشاركين أو الآباء تدفع القائمين على النشاط لمضاعفة الجهد والاستهانة بأي صعوبة.
ماذا يحقق المخيم من أهداف؟
- أن يعيش الطفل المسلم معنى الإسلام الشامل الذي يمزج العبادة والمتعة والفرحة الطاهرة
لقد نشأ في الأمة اتجاهات غريبة عن حضارتها وروحها أفضت إلى رسم صورة دميمة عن علاقة الإسلام بالحياة، وأن الدين والاستمتاع بمباهج الدنيا لا يجتمعان، وأنَّ بينهما برزخا لا يبغيان، وواجبنا أن نصحح هذا المفهوم بالقول والعمل معا، وأن نزيل تلك الحواجز الكثيفة بين الناس والدين.
علينا أن نقدم البدائل لأبنائنا في أجمل صورة وأفضلها، فما يحيط بهم من شهوات وشبهات يفوق التصور والوصف، وهذا يقتضي منا أن نرسخ في وعيهم أن الإسلام لا يتعارض مع الاستمتاع بالطبيعة والحياة، وأن المسلم يمكن أن يجمع بين الدنيا والآخرة، ولهذا يجب أن يقدم برنامج المخيمات هذا البديل الراقي من خلال برنامج متنوع يلبي حاجات الروح والجسد والقلب.
2- أن يتعلم الطفل مهارات جديدة:
يوفر المخيم عادة أجواء استثنائية وبيئة متميزة لتعلم مهارات متنوعة منها:
– مهارة التواصل مع الآخرين.
– مهارة الثقة بالنفس
– مهارة اكتشاف القدرات
– مهارة فنون القيادة.
وغيرها من المهارات.
3- اكتشاف الطاقات والمواهب وتنميتها وتوظيفها:
هناك قدرات ومواهب عديدة يمكن تنميتها من خلال المخيم مثل:
– الغناء والشعر والموسيقى.
– الرسم والزخرفة.
وغيرها
4- توسيع دائرة الرفقة الصالحة:
يتعرف الطفل في المخيمات على أطفال من نفس مدينته أو من مدن مختلفة فينصهر معهم في أيام متتابعة، ونحن هنا نصنع له رفقة جديدة تشاطره نفس الأهداف والغايات وتحديات الحاضر والمستقبل، دون أن نعزله عن وطنه الأوروبي ومجتمعه.
5- التربية من خلال الميدان العملي:
عندما يخرج الطفل لعالم مفتوح تظهر شخصيته بشكل أوضح وأدق، بمميزاتها وعيوبها، وهذه هي الفرصة الذهبية للمربي والمشرف، لذلك عليه أن يراقب السلوك والتصرفات ثم يوجه ويرشد بحكمة ورفق، وكلما اتسعت مساحة العطاء والحب والثقة بين المربي والطفل كان ذلك أرجى لقبول النصح والإرشاد.
ستظهر شخصية الطفل في فقرات برنامج المخيم.
سنكتشف أنماطا من الشخصيات التي تظهر لنا من خلال الأنشطة المفتوحة مثل المخيمات مثل:
– الطفل الاجتماعي والانطوائي.
– الطفل المتعاون و المتهاون.
– الطفل اللين والعنيد.
– الطفل المنظم والفوضوي.
– الطفل الملتزم بالقوانين والخارج عليها.
وأساليب التقويم والتحفيز كثيرة متنوعة على المشرف أن يتشبع بها من خلال القراءة والاطلاع وتبادل الخبرات.
6- توظيف طاقات المربين والمشرفين:
هناك عدد كبير من الشباب والفتيات يحملون هم تربية هذه الأجيال ولديهم استعداد للتضحية بالوقت والجهد والمال من أجل صناعة جيل صالح ناجح، غير أنهم بحاجة لإتاحة الفرصة والعمل على تكوينهم وتنمية قدراتهم وتوجيهها في عمل المخيمات وغيرها من الأعمال التربوية.
7- صناعة القدوة:
سيجد الطفل نفسه بالمخيم مع أصدقاء له أكبر منه سنا وقد جمعوا بين التفوق الدراسي والتميز الخلقي، وتلك هي القدوة المؤثرة، سيشارك معنا شباب مشرفون من نخبة الشباب، وهؤلاء هم خير قدوة.
ما مواصفات المشرف المنتج؟
1- أن يكون مُحبا للعمل مع الأطفال، فهناك من يجيد التعامل مع الأطفال وهناك من يجيد مع الكبار.
2- أن يمثل القدوة في أخلاقه وسلوكه وتعاملاته.
3- أن يتصف بلين الجانب وبشاشة الوجه.
4- أن يجيد اللغة الأوروبية التي يتحدث بها الأطفال.
5- أن يفهم عقلية الطفل المولود أو الناشئ في أوروبا ليحسن التعامل معه وفهمه.
6- أن يخوض دورات تكوينهم تربوية في منهجية العمل مع الأطفال.
7- أن يكون شخصية مرنة حوارية يحترم الرأي الأخر ولا يستبد برأيه.
فعلى المشرف أن يكون حواريا مع الطفل ويستمع له ويأخذ رأيه فيما يحب أن يقرأ أو يحفظ، أو ينشد دون أن يفرض عليه شيئا.
ولا يعنى هذا التهاون في البرنامج، إنما الترفق ورعاية الفروق الفردية.
ما مواصفات فريق العمل الناجح؟
هناك عدد من عوامل نجاح العمل في فريق، سأشير إلى أهمها وهي:
1- أن يكون هناك انسجام بين أفراد الفريق، ويتحقق الانسجام بالتعارف الجيد قبل العمل.
2- التواصل الفعال بين أعضاء الفريق من خلال اللقاءات والحوارات.
3- سيادة روح الفريق أو روح العمل الجماعي، فكل فرد يكمل الآخر. ونجاح الفرد هو نجاح الفريق. ولعل سر النجاح هو الإخلاص والصدق مع الله تبارك وتعالى.
4- المنافسة في بذل الجهد من أجل نجاح العمل.
5- التخطيط الجيد، فكل عمل يُسبق بتخطيط وتدقيق يعطي ثمرة عظيمة ونتائج كبيرة.
أدعو القائمين على المساجد في الغرب خاصة أن يهتموا بتكوين المشرفين على أنشطة الأطفال والشباب فهم الكنز الاستراتيجي للمجتمع الأوروبي، وهم عماد المستقبل، ونريد أن نقدم نموذج الطفل والشاب عميق الإيمان قوي الخلق، مستقيم السيرة، سليم السريرة، نافعا للناس، مباركا أينما كان.
* رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا. والمقال نقلا عن “مدونات الجزيرة”.