في العيد يتغير وجه الأرض ويضيء النور في الطرقات، وترى الابتسامات تعلو على الوجوه والبشر يزين النفوس، وفي العيد تتصافح الأيادي الطاهرة، وتتبادل التهاني النفوس المؤمنة.
فالعيد الذي وهبه الله سبحانه لعباده جعله يوم فرح وسرور ومحبة للجميع، فالمسلمون ليس لهم إلا عيدان؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، لما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذان اليومان؟”، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: “إن اللَّه قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأَضحى ويوم الفطر” (سنن أبي داود 1134).
وهذان العيدان هما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها، فلا نضيع فيها عبادة، ولا نتجرأ فيها على معصية، ولا نعطل فيه شعيرة، ولا نظلم فيها أنفسنا أو غيرنا، حتى تسعد:
في العيد كن هادئاً
هذا يوم عيد وفرحة وليس فيه مجال للعصبية، فلا تحول العيد على الأسرة من فرحة إلى حزن ومن سعادة إلى كآبة، فلا يجب أن يستقبل رب الأسرة أبناءه بالصراخ والعصبية في صباح أول يوم للعيد فيوتر البيت، أو أن يختلف الزوجان.
لا للأنانية
الأنانية آفة ذميمة، صاحبها صاحب نفس صغيرة، ذو عيون عمياء لا يرى إلا نفسه، والعيد جعله الإسلام فرحة للجميع، فلا يصح أن تسعد أو تفرح على حساب الغير، كأن يستمتع الأب مع أصحابه ويترك عائلته.
العيدية
الصغار ينتظرون يوم العيد بلهفة وشوق لكي يلعبوا ويفرحوا ويستلموا العيدية من الكبار، فالتوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن.
بل إن الزوجة يسعدها كثيراً أن يكرمها زوجها بالعيدية أو بالهدية في العيد، كما أن الآباء والأمهات ينتظرون أن يدخل عليهم أبناؤهم حتى ولو بالقليل في دلالة على اهتمامهم بهم وحرصهم على رضاهم.
أصلح نفسك
ربما يعتري الحياة بعض المشاحنات التي ينتج عنها الفراق والخصام خاصة بين ذوي الأرحام، ومن بركات العيد أنه يذيب هذه الخصومة، ويلقي في النفوس رحمة ولطفاً للجانب الآخر، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (أخرجه مسلم).
إننا نقتل فرحة العيد بتمزيق الأواصر، وقطع الصلة بالأرحام والأقارب والأحباب، ويوم العيد فرصة لتنقية القلوب وتصفية النفوس مما علق بها طوال العام من البغضاء والشحناء، فهلَّا جُدنا بالعفو والصفح والإحسان؟!
غداء العائلة
تعودت العائلات على سُنة حسنة وهي التجمع يوم العيد للغداء سوياً وزيادة الترابط والتلاحم، ولربما هذه التقاليد مستمرة في كثير من بلاد المسلمين، غير أن آفة المحمول والتواصل عبره فقط أصبحت قاصمة لعادات التزاور والتراحم وتجمع ذوي الأرحام مع بعضهم بعضاً –قبل كورونا- ولذا على الجميع أن يحرصوا أن يصطحبوا أطفالهم ويزوروا أقربائهم في العيد لتأكيد أواصل الحب وتوريث العلاقات الطيبة للأطفال، وقد وصف الرافعي العيد وصفاً جميلاً عندما قال: “وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة”.
إحياء شعيرة
يقع البعض في خطأ عظيم خاصة بعد الإعلان عن انتهاء شهر رمضان، وأن غداً أول أيام العيد، حيث ينطلقون إلى المقاهي وأماكن اللهو لقضاء الليل في لعب ولهو، وما أن يقترب الفجر حتى يهرولوا للنوم مضيعين وقت الليل وصلاة الفجر، بل وشهود صلاة العيد مع المسلمين، إضافة إلى ضياع نهار هذا اليوم في النوم والكسل، وهو اليوم الذي دعينا فيه إلى الفرح والسرور والمودة والتواصل.
ابحثوا عن اليتامى
في يوم العيد لا يشغلك إسعاد أولادكم فحسب، لكن ابحثوا عن اليتامى الذين لا عائل لهم، وخففوا عنهم وواسوهم في يوم العيد رغبة في الثواب، وتلمسوا أحوال الفقراء والمساكين وقدموا لهم ما يمنعهم من السؤال ويغنيهم عن الطلب في يوم العيد.
رمضان لم ينتهِ
لقد كان رمضان نفخة ربانية لعباده الصالحين الصائمين، فلا تحرم نفسك نفحات مولاك واستمر على منهج رمضان في الطاعات، فرب رمضان هو رب باقي الشهور، واحرص على زيادة الطاعة في العيد وبعده بصيام ستة أيام من شوال ليغفر لك ذنبك وتقتدي بسنة نبيك، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا” (رواه البخاري ومسلم).
العيد في الإسلام ليس احتفالاً فردياً، كما أنه لا يكتمل بفرح أفرادٍ دون أفراد، بل هو فرح الأمة جميعاً، ولذا جاءت الشريعة مؤكدةً أن يكون الفرح والابتهاج للجميع، بداية بأحق الناس وهما الوالدان، وانتهاءً بغيرهما ممن نرتبط به بعلاقة رحم أو صحبة أو جيرة.