أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أول أمس الثلاثاء، أن منظمة التحرير ودولة فلسطين قد أصبحتا في حِل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الاتفاقات الأمنية، وذلك رداً على قرار الاحتلال ضم ثلث الضفة الغربية بما فيها المستوطنات.
تهديد عباس هو رقم 11 في سلسلة تهديدات استهدفت الضغط على الاحتلال دون جدوى، ولم تتحقق على أرض الواقع، واستمر التنسيق الأمني ومشاركة شرطة رام الله في اعتقال المقاومين وتسليمهم لدولة الاحتلال، بل ومنع أي احتجاجات (انتفاضة) سلمية ضد قوات الاحتلال.
لهذا قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إن خطاب وقرارات رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية محمود عباس يحتاج إلى ترجمة حقيقية على الأرض عبر خطوات واضحة ومحددة، ودعت لتنفيذ كلامه وخطة متكاملة متفق عليها من قبل قيادات الفصائل الفلسطينية والقوى الشعبية كافة لموجهة أخطار ضم الضفة وغور الأردن وتهديد المسجد الأقصى.
وعلق صحفي صهيوني في برنامج تلفزيوني على تهديد محمود عباس بإلغاء اتفاقات أوسلو مستخفاً بها قائلاً: هل ممكن لأحد أن يحصي المرات التي هدد فيها عباس في السنوات الأخيرة بإلغاء أوسلو؟!
لا ينوي تغيير شيء
وكالعادة، لم تمض 24 ساعة على إعلان عباس إلغاء الاتفاقات مع الاحتلال، حتى أغرق مقربوه الصحف الإسرائيلية بتطمينات بأنه “لا ينوي تغيير شيء”، ونقلت صحيفة “معاريف” عن قادة في السلطة اعترافهم أنه لا بقاء للسلطة بدون التعاون الأمني، لأنهم ببساطة يستفيدون من امتيازات يقدمها الاحتلال بعض القادة الأمنيين الفلسطينيين.
وحسب بيان الجبهة الشعبية التي حضرت الاجتماع “القيادي” مع محمود عباس، فإن عباس ظل في الاجتماع متمسكاً بأوسلو والمفاوضات ودور الرباعية، وأكد دور السلطة في “مكافحة الإرهاب”؛ أي أنه لن يسمح بعودة المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال!
أيضاً نقلت عنهم صحيفة “يسرائيل هيوم” تطمين عباس للصهاينة على هذا النحو ما يمثل تشجيعاً لهم على ضم الضفة الغربية طالما لن يفعل شيئاً!
فالصهاينة يعرفون توجهات السلطة الحقيقية، وأن عباس ولن يتغير، لهذا يقول الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة: إن أبا مازن سبق وقال هذا الكلام، وصرّح هذه التصريحات مرات كثيرة، ولكنه عاد وتراجع عنها حتى أصبح عدم تصديق هذه التصريحات من أبناء شعبنا هو الغالب، قائلاً: “أنا لن أصدق أبا مازن”.
الاتفاقات الأمنية هي العقبة
من الواضح أن اتفاقيتي أوسلو (1) و(2) انتهت إلى اتفاقيات وتفاهمات أمنية لصالح الاحتلال مقابل مزايا للسلطة وشرطتها، ورغم أن هذا ملف خطير تستطيع السلطة الفلسطينية الضغط به على الاحتلال، لأنه يتعلق بالمقاومة، وبالتالي فهي ورقة يمكن أن تؤذي بها السلطة الفلسطينية دولة الاحتلال بشكل كبير، فإنها ترفض استغلال هذه لورقة ببساطة لأنها تعني فقدان عباس كرسي الحكم وسعي الاحتلال لتنصيب رئيس جديد بدلاً منه، يقبل التعاون كما فعلت مع الراحل ياسر عرفات.
فقد كان من بين أهم بنود اتفاق أوسلو الذي وقعه رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس نفسه:
– تلتزم منظمة التحرير بحق دولة الاحتلال في العيش بسلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من “العنف”.
– تدين منظمة التحرير استخدام “الإرهاب” وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، كما ستأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.
– إعلان منظمة التحرير موقفاً علنياً تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة و”رفض العنف والإرهاب” والمساهمة في السلام والاستقرار والمشاركة بفاعلية في إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والتعاون.
– إنشاء قوة شرطة من أجل حفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
– “إسرائيل” هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أي عدوان خارجي (لا يوجد جيش فلسطيني للسلطة الفلسطينية).
– بعد 3 سنين تبدأ “مفاوضات الوضع الدائم” يتم خلالها مفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل لتسوية دائمة وتشمل هذه المفاوضات القضايا المتبقية بما فيها الترتيبات الأمنية (كمية القوات والأسلحة المسموحة بها داخل أراض الحكم الذاتي، والتعاون والتنسيق بين شرطة السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي).
ترسيخ التعاون الأمني
وبعد اتفاق “أوسلو1″، جرى توقيع اتفاق آخر هو “أوسلو 2” في مدينة طابا عام 1995 ألزم السلطة الفلسطينية بمزيد من التعاون الأمني مع الإسرائيليين.
وكان أبرز ما ورد في هذا الاتفاقية حول الملف الأمني:
– بدء العمل بترتيبات وآليات تنسيق أمنية متفق عليها، تتضمن تشكيل لجنة تنسيق وتعاون مشتركة من أجل الأمن المتبادل ستسمى “JSC”، بالإضافة إلى لجنة أمن إقليمي مشتركة تسمى “PSCs”، وإقامة مكاتب مشتركة للتنسيق في المناطق، تسمى “DCOs”، كما نص عليه في الملحق الأول من الاتفاقية.
– تولي الشرطة الفلسطينية مسؤوليات النظام العام والأمن الداخلي، وتتولى مهام النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين
استمرار الاحتلال في القيام بمسؤوليات الأمن الخارجي في الضفة وغزة، بدعوي المحافظة على أمنهم الداخلي والنظام العام.
– باستثناء سلاح وعتاد وأجهزة الشرطة الفلسطينية في الملحق الأول وتلك الخاصة بالقوات العسكرية الإسرائيلية، لا يمكن لأي منظمة أو مجموعة أو أفراد في الضفة الغربية وقطاع غزة أن يصنع أو يبيع أو يحوز أو يملك أو يورد أو يحضر سلاحاً أو عتاداً ومتفجرات أو ملح البارود أو أي أجهزة مرتبطة بذلك (في إشارة لمنع المقاومة الفلسطينية وتجريمها).
وقد ترتب على هذا إلغاء المقاومة في الضفة الغربية، وقيام الشرطة الفلسطينية بتسليم من يقوم بأعمال مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لشرطة الاحتلال تحت اسم محاربة “الإرهاب”.
وتدريجياً أصبحت السلطة مكبلة بهذا الاتفاق والتنسيق الأمني؛ لأن كلاً من دولة الاحتلال وأمريكا والدول المانحة ربطت استمرار العملية التفاوضية وتواصل الدعم الدولي والمالي للسلطة بمدى قدرتها على وقف عمليات المقاومة، وانخراط أجهزة السلطة الأمنية في أنشطة ضد حركات المقاومة بالتنسيق مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية.
انهيار التنسيق الأمني
وقد ترتب على توقيع اتفاقيتي “أوسلو1” و”أسلو 2″، قيام السلطة الفلسطينية بضرب العمل المقاوم في الأراضي المحتلة وإفشال العديد من العمليات الفدائية، كما شنت السلطة حملات اعتقال واسعة طالت قادة نشطاء حركات المقاومة على رأسها حركة “حماس”، حيث بلغت ذروتها في شتاء عام 1996م، حيث تم اعتقال 2000 من قادة وعناصر الحركة، إلى جانب إغلاق مؤسساتها بالكامل في الضفة وغزة.
لكن في أعقاب فشل مؤتمر “كامب ديفيد” الذي جمع في يوليو 2000م، وفدي منظمة التحرير برئاسة عرفات ودولة الاحتلال برئاسة، إيهود باراك، في إحراز أي تقدم على صعيد المفاوضات؛ قررت القيادة الفلسطينية توفير بيئة تساعد على تعزيز العمل المقاوم بشقيه، الشعبي والمسلح، في محاولة لإقناع القيادة الإسرائيلية بإبداء مرونة في مواقفها من الصراع، وساهمت في إشعال انتفاضة الأقصى الثانية في 28 سبتمبر 2000، التي استمرت حتى عام 2005م.
وأدي هذا لحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله حتى وفاته المشكوك فيها في نوفمبر 2004م، وانتخاب محمود عباس خلفاً له.
وعقب وفاة عرفات وتولي الرئيس الحالي محمود عباس وطرح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش سميت “خارطة الطريق” لإعادة إصلاح التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، عاد التنسيق الأمني بقوة، خاصة أن عباس معارض بشكل مطلق للعمل المسلح ضد الاحتلال.
وحل عباس الجناح المسلح لحركة “فتح” التي تزعمها “كتائب شهداء الأقصى” عام 2007م، بعد أن كانت هذه الكتائب قد تشكلت خلال الانتفاضة بأمر من عرفات ولم يسمح عباس لحركته “فتح” بممارسة أي دور فعلي للإسهام في تبني المقاومة في مواجهة المشروع الاستيطاني وتحدي السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وزاد تعاون الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة مع “إسرائيل” في التصدي لكافة أشكال المقاومة المسلحة والشعبية السلمية وأحبطتها بالكامل.
وترسخ التعاون أكثر بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية في عام 2005م، عقب إنشاء مجلس لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، بقيادة الجنرال الأمريكي، كيث دايتون، الذي تولى شخصياً مهمة الإشراف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية لتحسين قدرتها على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة.
وبفعل خطة دايتون، ضربت السلطة الفلسطينية أجنحة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بالكامل، وسمّتها “العصابات المسلحة”، كما فككت التشكيلات العسكرية لها، وقد أشار الجنرال الأمريكي دايتون إلى أن الآلاف من أبناء القوى الأمنية الفلسطينية الذين تدربوا بتمويل أمريكي في الأردن، قادوا الحملات الأمنية في مدن الضفة، واعتقلوا المئات من أبناء “حماس” و”الجهاد” وفصائل المقاومة، وتم ذلك على مستوى تنسيقي واسع المدى بينهم وبين الإسرائيليين.
ولكن في غزة، باءت خطط دايتون بالفشل بعد سيطرة حركة “حماس” على القطاع كاملاً في يوليو 2007م، وتبع ذلك شن 3 حروب مدمرة عليها، لكن ذلك دفع إلى توفير بيئة مناسبة لتعزيز التعاون الأمني، حيث وجدت “إسرائيل” الفرصة لابتزاز قيادة السلطة وإجبارها على إبداء أكبر قدر من التعاون الأمني في الضفة، بحجة أن التعاون في مواجهة حركات المقاومة ضرورة لضمان بقاء حكم فتح وعدم السماح لـ”حماس” بتكرار “نجاحاتها” في الضفة.
الخلاصة أنه لا يمكن للشعب الفلسطيني مواجهة المخططات الصهيونية في ظل قيادة عباس وزمرته، فعباس يضخ التهديدات لكن الصهاينة يعون أن كل ما يعني عباس وقادته الأمنيين هو استدامة مزايا الـ”VIP” ومنح الاحتلال المرفهة لهم، مقابل حمايتهم أمن “إسرائيل” بمنع المقاومة أو الانتفاضة.
والحل هو انتفاضة تزيل رجال السلطة المتحالفين مع الاحتلال وتعيد المقاومة بقوة، فالاحتلال لا يفهم سوى القوة وما غزة ببعيد.