كنت في رحلة مع الصديق العزيز الكابتن سامي النصف إلى مزرعة بل محمية الشيط بدعوة كريمة من د. عبدالعزيز البابطين، قبل بضعة أعوام، وصادف وقتها بداية ثورة الربيع العربي في ليبيا، والعبارة الشهيرة «من أنتم؟»، فكانت فرصة الاستفادة من القارئ النهم بوعبداللطيف لشرح الوضع بليبيا، خلال الطريق البري.
كان الملك محمد إدريس السنوسي أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وقوات الحلفاء في 24 ديسمبر 1951م، حتى عام 1969م، وهو من العائلة السنوسية، وكان رجلًا صالحًا تقيًا ورعًا.
لقب محمد إدريس ملك المملكة الليبية المتحدة، ومارس سلطاته وفقاً لأحكام الدستور، وتم تداول السلطة التنفيذية بالطرق السلمية والانتخابات، ودليل ذلك انتقال السلطة ما بين 11 حكومة خلال فترة العهد الملكي وهي 18 عاماً.
ورغم ما تتمتع به ليبيا من استقرار ونمو وتطور، فإن آفة ثورات القومية العربية وصلتها، لإسقاطها كما أسقطت الملكيات من قبلها في مصر والعراق والشام، وتم تحريك الشارع الليبي والغوغاء ضد الملك الصالح إدريس في عام 1969م، وكانوا يهتفون «إبليس ولا إدريس»؛ أي أن الشعب الليبي يفضل التعامل مع إبليس على أن يتعامل مع الملك إدريس، وكان وقتها في تركيا للعلاج، فنجحت ثورة العسكر وسقطت الملكية، وتسلط عليهم الضابط الشاب الثائر معمر القذافي لأكثر من أربعة عقود، وكان ما تمناه الشعب «إبليس ولا إدريس»!
وحكمت محكمة الشعب الليبية على الملك إدريس بالإعدام غيابياً في نوفمبر 1971م.
أما الملك إدريس فقد توجه إلى اليونان ثم انتقل إلى مصر، وسكن في ضيافة الدولة المصرية حتى وفاته في 25 مايو 1983م، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة.
وأعطاني الزميل سامي النصف كتيباً صغيراً عن تلك الفترة، قرأناه خلال يوم واحد في المزرعة، حوى تلك المعلومات وأكثر، حتى جاءت ثورة الربيع العربي التي أسقطت حكم الجماهيرية الليبية، وجاء حكم الشعب الذي أشغلته صراعات القبائل.
ونظراً لبروز التيار الإسلامي والمحافظ في انتخابات تونس ومصر تحديداً، فقد تخوفت الدول الغربية من امتداد ذلك إلى ليبيا، فأخذت موقفاً سلبياً من الثورة فيها، وبدأ تقاسم المناطق بينها، وكل أخذ يدعم مليشياته من خلال القبائل، وبالأخص المناطق النفطية، وتداولت الحكومات تلو الحكومات السلطة، حتى انتهت إلى حكومة «الوفاق الوطني الليبية»، وهي حكومة منبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر 2015م، الذي أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بقيادة الألماني مارتن كوبلر بعد تكليفه بديلاً عن خلفه الإسباني برناردينو ليون.
وتم اعتماد هذه الحكومة إلى الآن من كل من: الأمم المتحدة، ومنظمة الدول الإسلامية، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، وجهات ودول أخرى.
الغريب أن ينقلب الآن بعض الدول والسياسيين والإعلاميين والمفكرين على الحكومة الليبية المعتمدة، رغم الاستقرار السياسي الذي تتمتع به، بحجة أنها حكومة إسلامية التوجه، علماً أنها ليست كذلك، ودعم المليشيات الانقلابية، فتذكرت الجملة الشهيرة «إبليس ولا إدريس» أمام الغوغاء الذين تحركوا ضد الحكومة الليبية المنتخبة، وكأنهم ينادون من جديد «حكم العسكر ولا الشعب المجبر»!
لنكن جميعاً قلماً ولساناً ويد خير واستقراراً للشعب الليبي، بعيداً عن التصعيد والخروج عن إجماع الأمة، ولا نكرر الخطأ السابق ويعيد التاريخ نفسه من سيئ إلى أسوأ، ولنترك الشعب يختار من يريد عبر صناديق الانتخابات، والله خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين.
_______________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.