ناقشت صحيفة “نيويورك تايمز” الفهم الخاطئ لدى إدارة دونالد ترمب فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع إيران، وخصصت افتتاحية قالت فيها: إن زعم الإدارة أنها لا تزال جزءاً من الاتفاقية التي خرجت منها عام 2018 خاطئ، ويحتاج ترمب لدروس خصوصية ليفهم طريقة عمل المعاهدات الدولية.
فقبل عامين خرجت الإدارة الأمريكية من الاتفاقية الدولية التي رفعت العقوبات المفروضة على إيران مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي، ووصف ترمب الاتفاقية التي عملت إدارة باراك أوباما على إنجازها مع الدول الأوروبية القريبة منها بشق الأنفس بأنها أسوأ معاهدة في التاريخ.
ومنذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض وهو يحاول قتل تلك الاتفاقية، حيث أعاد فرض العقوبات على إيران وهدد بفرض عقوبات ثانوية على أي من حلفائه الأوروبيين الذين يقيمون علاقات تجارية مع إيران، وكان رفضه الاتفاقية مثيرا للدهشة بشكل جعل الدول الأخرى تتساءل عن إمكانية الثقة بالتزامات أمريكا الدولية وإن كانت ستستمر حتى الجولة الانتخابية المقبلة.
وتضيف الصحيفة: بعد كل هذا، تناقش إدارة ترمب وبوقاحة تامة أنها لا تزال جزءا من الاتفاقية النووية، ذلك أنها تريد استخدام بند في الصفقة وفرض العقوبات الدولية على إيران لمنع انتهاء صلاحية العقوبات وحظر تصدير السلاح على إيران.
وقالت الصحيفة: إن الأطراف الموقعة على الاتفاقية هي المخولة بفرض العقوبات هذه على الجمهورية الإسلامية، ومع ذلك استخرجت الخارجية الأمريكية رأيا قانونيا مفاده أن الولايات المتحدة خرجت من الاتفاقية وتعمل منذ ذلك ضد جوهرها إلا أنها لا تزال مشاركة فيها، مشيرة إلى بند وصفي في قرار مجلس الأمن الذي أقر بعد توقيع الاتفاقية وذكر أسماء الدول التي وقعت عليها ومنها أمريكا.
ولكن هذا الموقف القانوني لا أساس له كما تقول الصحيفة، وقال لاري جونسون، مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية في الأمم المتحدة سابقا: إنها مسألة منطقية بسيطة، فلو كنت دولة مشاركة، فيجب أن تكون مشاركا في الواقع.
وحتى الصقور في المسألة الإيرانية مثل جون بولتون يتعاملون مع هذا الرأي بشك، ويحذرون من تداعياته السلبية، وكتب في صحيفة وول ستريت جورنال: من السهل القول إننا لا نزال في الصفقة النووية وللأهداف التي نريدها ولكن ليس للأهداف التي لا نريدها.
وترى الصحيفة أن منع حصول إيران على أسلحة متقدمة هدف مقدر في ظل الدعم الذي تقدمه للاعبين من غير الدول في المنطقة، ولكن القوى الدولية قررت التركيز وعلى مدار العقدين الماضيين على منع إيران من الحصول على القنبلة النووية.
وفرض العقوبات على إيران سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الاتفاقية الدولية التي يتوقع أنها ستظل سارية المفعول حتى عام 2030، كما أن أمريكا تركت الاتفاقية النووية في 2018، ولن تغير أي محاولة ليّ عنق القانون من هذه الحقيقة.
ولا تستطيع الولايات المتحدة اختيار ما يناسب أجندتها من الاتفاقية وتستهزأ ببقية بنودها، ولهذا فتصرفات ترمب تؤثر على نزاهة أي معاهدة دولية يتم التقدم بها، لكل هذا، لا يوجد هناك دعم للولايات المتحدة بين الدول الأعضاء الخمسة عشرة في مجلس الأمن.
ولم تدعم الولايات المتحدة في تصويت عقد الشهر الماضي في مجلس الأمن سوى جمهورية الدومينكان، ومع ذلك ظل الدبلوماسيون الأمريكيون يدفعون باتجاه فرض العقوبات، وأقنعوا أنفسهم أن العقوبات ستفرض من جديد بعد إبلاغ المجلس قبل 30 يوماً من نهاية العقوبات.
وانتهت المدة هذه يوم السبت، وعندما سيتحدث ترمب يوم الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن بعد بسبب فيروس كورونا، فسيعلن عن نيته فرض العقوبات على غيران.
ويجد المسؤولون في الأمم المتحدة أنفسهم وسط وضع غامض بين موقف إدارة ترمب من الواقع، والمنطقة التي يعيش فيها بقية العالم، وقال ريتشارد غوان، مدير برنامج الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: في الجوهر، سنجد أنفسنا نعيش في عالمين بديلين، وليس من الواضح ماذا سيحدث بعد؟ فالعقوبات الدولية تتطلب لجنة لمراقبتها، ولن يتم تشكيلها بدون قرار من مجلس الأمن، ومن المتوقع أن تفرض الولايات المتحدة سلسلة من الإجراءات الأخرى مثل فرض عقوبات على الشركات الصينية والروسية التي تبيع السلاح لإيران، والخوف هو قيام الولايات المتحدة باعتراض السفن المحملة بالبضائع إلى إيران مما قد يقود لمواجهة عسكرية محتملة، والمأساة في داخل إدارة ترمب أنه نفّر الدول الأوروبية الحليفة التي تدعم موقف واشنطن بالحد من نشاطات إيران وسلوكها، وفي وقت من الأوقات لم تتعاون أمريكا مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا فقط ولكن مع الصين وروسيا لعزل إيران، ولكنها هي البلد المعزول الآن.
والسؤال هو إن كانت الاتفاقية ستنجو حالة فرض العقوبات على إيران، فهذه ظلت ملتزمة بمبادئها حتى قررت إدارة ترمب الخروج منها، وهي لم ترد بالخروج ولكنها زادت من مستويات تخصيب اليورانيوم رداً على القرار الأمريكي.
وأصبح الاتفاق ممزقاً الآن، ولو أعيد انتخاب ترمب مرة أخرى فلن تكون هناك فرصة لإحيائه من جديد، وهذا يعني خروج إيران من الاتفاقية والعودة لعمليات التخصيب التي تقول إنها للأغراض السلمية، بشكل يضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
وتقول الصحيفة: إن هناك فرصة، فأفعال إيران ليست نهائية ويمكن إقناعها بتخفيض مستويات التخصيب وإرسال الكمية الزائدة إلى خارج إيران، وربما جرت محادثات دبلوماسية سرية تقنع الدول بعدم بيع الأسلحة لإيران.
ولأن الحظر لن ينتهي إلا في نهاية أكتوبر، فهناك فرصة للدبلوماسية، ولكن إدارة ترمب ضيعت الوحدة الدولية التي حققتها إدارة أوباما حول إيران، وضيعت فرصة العودة للمفاوضات بعد خروجها من الاتفاقية ولم تتقدم بأي خطة ذات معنى لسد الثغرات في اتفاقية أوباما.
وفي وقت تباهى الدبلوماسيون الأمريكيون أما نظرائهم الأوروبيين أن إيران ستركع على قدميها وستأتي متوسلة للعودة إلى المحادثات، إلا أن ذلك لم يحدث.
صحيح أن الشعب الإيراني يئن تحت وطأة العقوبات، وتفاقمت مصاعبه بسبب فيروس كورونا ونقص الدواء، لكن النظام الإيراني لم يأت طالباً الرحمة من ترمب.
وفي الحقيقة أظهرت تصرفات ترمب المعسكر المعتدل في إيران كأنه مجموعة من الحمقى، خاصة أنهم دافعوا عن إمكانية الثقة بأمريكا.
ووصف المرشد الأعلى للجمهورية في إيران، آية الله علي خامنئي الاتفاق بـالخطأ، ورغم كل هذا لا يزال ترمب يتباهى بقدرته على توقيع اتفاق أفضل مع الإيرانيين.
ومثل كل المفاخرات التي صدرت من إدارة ترمب، فلا توجد هناك خطة ب في وقت تقترب إيران من الحصول على المواد الانشطارية الكافية لتصنيع قنبلة نووية.