جدل صاخب ما زال يفرض ضجيجه على المجتمع المصري بكل مؤسساته سواء التنفيذية أو التشريعية أو الدينية أو ما يتصل بمنظمات المجتمع المدني خاصة النسوية منها في انتظار ما يسفر عنه بحث تعديل قانون الأحوال الشخصية في مصر الذي يبلغ عمره 100 عام تقريباً حيث صدر في عام 1925.
ويرى مراقبون تحدثوا لـ”المجتمع” أن الأمر جد خطير، في ظل الصراع الدائر إعلامياً بين التيار العلماني في المشهد الحقوقي وبعض الحملات النسوية التي تطالب بفقه “مدني” معاصر من جهة وبين مؤسسة الأزهر الشريف بقيادة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، وسط قلق المؤسسة التشريعية من فتح الملف دون الحصول على موافقة الأزهر حتى وصل الأمر إلى وصف وسائل إعلامية مقربة من السلطة المصرية بأن القانون “قنبلة مجتمعية”.
الأزهريون قدموا مسودة يرفضها حقوقيون ونسويات بشدة
تحفظات عديدة
عضو اتحاد علماء المسلمين ورئيس مجلس إدارة أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية د. محمود القلعاوي انتقد، في حديث لـ”المجتمع”، طرح القانون من الأصل متسائلًا: لماذا طرح القانون أصلاً؟ وما المغزى منه؟! وهل هذا ما تحتاجه الأسرة المصرية من قوانين في ظل رفض الكثيرون له؟ وهل مثل هذه القوانين ستصلح ما فسد؟
واستنكر مسودة القانون الحالية التي يرى أنها تقوم فيما تقوم من سلبيات على فكرة ملاحقة الرجل الذي سيتزوج للمرة الثانية بالسجن والتغريم قائلاً: هذا مرفوض تماماً، فالإسلام أباح للرجل التعدد والزواج بثانية بشريعة السماء، وله حق عدم إخبار زوجته بزيجته الثانية وإن كانت المودة والعشرة توجب عليه إخبارها وإعلامها بقرار مصيري كهذا، ولكن في النهاية لا دخل للدولة في هذا الشأن من قريب أو من بعيد، حسبما يقول.
ويرى القلعاوي أن الأمراض التي تغرق فيها الأسرة المصرية كثيرة جداً، وتحتاج لإصلاح تربوي وديني واجتماعي ونفسي، مؤكداً أن الأمر يحتاج لتآزر كل الجهات الموجودة لإصلاح ما فسد في الأسرة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق التي خرجت من الجهات الرسمية في مصر.
وطالب د. القلعاوي بالتوقف عن إصدار مثل هذه القوانين والنظر إلى ما تحتاجه الأسرة حقيقة بعد حوار مجتمعي يشارك فيه كل المعنيين.
الحكومة خسرت مشروعها قبل مناقشته بضربة الأغلبية
حوار أو أخطار
الباحث الحقوقي والقانوني محمد أبو العزم، يرى أهمية الحوار قبل إصدار القوانين قائلاً، في حديث لـ”المجتمع”: لم تفطن الحكومة المصرية للآثار المترتبة على هذا القانون في سبيل سعيها لمعالجة بعض المشكلات في حياة الأسرة المصرية بما سيؤدي إلى آثار سلبية على مناح أخرى في العلاقة الزوجية، بما سيؤدي في المستقبل إلى المزيد من العقبات والمعاناة للأسرة المصرية سواء في مرحلة الخطبة أو الزواج أو ما بعد الزواج.
وأكد أبو العزم أن مشروع القانون المقترح من الحكومة احتوى على أكثر من 30 مادة تشوبها شبهات عدم الدستورية، كما حوى العديد من الثغرات القانونية التي يمكن إساءة استخدامها من قبل الأب أو الأم في حالة الطلاق أو وفاة أحدهما، بما يؤثر بالسلب على اللحمة المجتمعية للأسرة المصرية والأطفال تبعاً لذلك.
وقال أبو العزم: حوى القانون كذلك على مواد تنقص من حقوق المرأة وحقها الكامل في الشخصية القانونية بما أنقص من أهليتها كشريك في الأسرة، وذلك بأن سمح لأحد أولياء المرأة برفع دعوى لفسخ عقد الزواج إذا رأى عدم تكافؤ الزواج، كما كرست مواد أخرى من القانون التمييز بين المواطنين والمواطنات في الحقوق المدنية، كما جاء صريحاً في المواد المتصلة بالمرأة المسيحية.
وشدد الباحث الحقوقي على أنه يجب على السلطة التشريعية في مصر إفساح المجال أمام الحوار المجتمعي البناء، كون هذا القانون يمس كافة المصريين ومؤثراً في حياتهم ومستقبلهم والعلاقة بين مكونات المجتمع المصري.
الاتجاه لترضية الأزهر قبل الإصدار خشية رفض المجتمع
وحذر أبو العزم من تمرير القانون بالشكل الحالي قائلاً: يجب ألا يمر هذا القانون كغيره من القوانين المكبلة للحقوق والحريات في مصر في ظلام دامس ودون حوار مجتمعي يشترك فيه الخبراء والجهات ذات الصلة ومؤسسات المجتمع المدني، لضمان وضع حلول حقيقية وممكنة التحقيق لمشكلات الأسرة المصرية.
خلفيات المعركة
الجدل زاد تحديداً في الأيام الماضية بعدما قدمت الحكومة المصرية مشروع القانون، الذي ينظم كل الجوانب الحياتية لجميع المصريين، عدا غير المسلمين، وتشمل مواد القانون أحكام الخطبة وعقود الزواج، وقواعد الأهلية والولاية، وكذلك قواعد انتهاء الزواج بالطلاق أو الفسخ أو التفريق، وكذلك أحكام النسب، والنفقة، والحضانة، والولاية على المال، والوصاية، والحجر، والعقوبات لمخالفي الأحكام.
الطلقة الأولى على القانون جاءت من رأس الأغلبية البرلمانية النائب أشرف رشاد الذي رفض القانون، وطالب بإعادة مناقشته مجتمعياً، حتى لا تحدث مواجهة مجتمعية مع النواب، وهو ما ترجمته اللجنة الدينية بالبرلمان بإعلان سريع بأن القانون سيرسل إلى الأزهر لمراجعته في محاولة لترضية المؤسسة الدينية، وفق مراقبين.
وزاد المشهد سخونة مطالبة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بمجلس النواب، والمقربة من السلطة، بتشكيل لجنة للاستطلاع والمواجهة لإدارة الحوار المجتمعي تحت رعاية البرلمان في ضربة لمشروع الحكومة.
مراقبون: توقيت لا مبرر له والثغرات تنسف المقترحات
الحملات النسوية تقدمت المشهد تحت وسوم إلكترونية عديدة منها “الولاية حقي”، وأصدرت العديد من البيانات المناهضة واللاذعة للقانون المقترح وصلت فيه الاتهامات إلى استخدام ورقة مخالفة الشريعة الإسلامية بحق الحكومة والأزهر الشريف.
حملة تمرد ضد قانون الأسرة كانت إحدى المنصات، ودعت إلى الاعتراف بمدنية عقد الزواج! كما دخلت المراكز الحقوقية النسوية بقوة على الخط، وطالبت على لسان العديد من متحدثيها ومنهم رئيس المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو قمصان بإلغاء مسودة القانون، ومطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل، وتشكيل لجنة خبراء لدراسة الأمر.
https://www.facebook.com/watch/?ref=external&v=2850002555266979
وفي المقابل، ما زال مشروع القانون المقدم من الأزهر الشريف صاحب زخم يروج له في وسائل إعلام رسمية ومقربة من المؤسسة الدينية، حيث وصفته بأنه أكثر إجمالاً وتفصيلاً وتناسقاً وتحقيقاً لصالح الأسرة المصرية من قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها حالياً.
ووصل الأمر بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بإطلاق رسائل تحذير أكدت أن الأزهر يمارس دوره ولن يفرط في رسالته قيد أنملة فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، ولكن في المقابل يقف أمامه تكتلات حقوقية علمانية ترفض تدخلاته شكلًا ومضمونًا، وسط ترقب حكومي حذر.