بداية أنت كمخلوق بشري خُلقت خطاء، والخطاء الفطن الكيس رجاع إلى الله تعالى؛ فخير الخطائين التوابون كما قال صلى الله عليه وسلم فلذلك.. لا بد من الاستمرار في التوبة والرجوع إلى الله تعالى بلا توقف، وانتهاج السبل لذلك باطراد.
نعم.. تستمر أيها العبد الخطاء بالتوبة باستمرار، لأننا بالأصل خطاؤون، ولا معصوم إلا الملائكة والأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
حينما تخلو مع الله تعالى وتكثر الاستغفار راجعاً إليه تعالى بعد صلاة الفرض ما أجملها من خلوة وجلسة مع الله تعالى؛ وهكذا.. يعطيك الله تعالى وثيقة الجلوس بعد الصلاة المكتوبة؛ وهي وثيقة غالية وجميلة وترى أثرها عليك، حيث يفيض عليك المنعم من نعمه ما لا يخطر على بالك.. وهنا يجب أن تعلم أن الله تعالى وفقك لاستلام هذه الوثيقة الجليلة الغالية الرابحة من العظيم الرحمن الرحيم الوهاب سبحانه وتعالى.
الصلاة أحد أركان الإسلام الخمسة؛ بل هي الركن الثاني بعد الشهادتين، وهي عماد الدين كما بيَّن ذلك العلماء، وهدمها يعني هدم الدين، وحتى تكون صلاتنا مقبولة وجب على المصلي الخشوع فيها وأداءها بتأنٍّ، فالعبد إذا أتم الصلاة بركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني فترفع، وإذا أساء الصلاة، قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني فتلف كما يُلف الثوب الخلَق فضُرب بها وجهه.
ومن علامات قبول الله تعالى صلاة العبد وأعماله أن يوفقه الله تعالى للعمل بطاعته بشكل مطرد، فلا يراه الله تعالى في مواضع ومواقع النهي.
ومن مؤشرات قبول الصلاة هذا الوضع الذي بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في صلاة النافلة؛ قال: “من تعارّ من الليل؛ فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي، أو قال: ثم دعا استجيب له، فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته.
هذه الصلاة ودعاؤها أولى بالقبول من غيرها؛ جاء في “تحفة الأحوذي”: المراد بها الاستجابة اليقينية لأن الاحتمالية ثابتة في غير هذا الدعاء، وقال بعض أهل العلم: استجابة الدعاء في هذا الموطن وكذا بقبوله الصلاة فيه أرجى منهما من غيره.. وهذه المقبولية اليقينية على الصلاة المتعقبة على الدعوة الحقيقية كما قبلها” انتهى.
سبحانه وتعالى الكريم القائل: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) (آل عمران: 195).
وفي الصلاة المكتوبة؛ قال بعض العلماء بعد الحرص على أركانها وواجباتها: إنه من علامة قبول الصلاة أن تستقر في مكانك الذي صليت فيه حتى تكمل أذكار ما بعد الصلاة.. نعم.. لا تخرج بعد التسليم مباشرة مسرعاً تاركاً الموقع الذي صليت فيه خلف الإمام؛ فمكوثك دليل استلام وثيقة القبول فاحرص عليها أخي في الله.
الذي يستقر في مكانه يتعرض لدعاء الملائكة له بقولهم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وهنا لا شك فضل عظيم وكبير، ووثيقة رائعة تضمنها من الجميل، الرحمن الرحيم يقدمها لعباده الصالحين المصلين، محسنين الظن بربهم الوهاب الكريم.
نعم.. لا يفرط في هذا من كان كيساً حصيفاً فطناً يسعى لرضا الله تعالى ومصلحة نفسه، فإن الجلوس بعد الصلاة للذكر وثيقة رفيعة، وجائزة عظيمة من رب عظيم رحيم في عباده.
وحتى تضمن القبول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تبارك وتعالى: “إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نوراً وفي الجهالة حلماً ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة”.
هي وثيقة لك أيها العبد أنك قرنت بالفردوس لرفعة منزلتك عند الله تعالى كما رفعة الفردوس على الجنان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصلاة ثلاثة أثلاث: الطهور ثلث، والركوع ثلث، والسجود ثلث، فمن أداها بحقها قبلت منه وقبل سائر عمله ومن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله”.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
_____________________
إعلامي كويتي.