ما زال الاحتقان السياسي سيد الموقف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت، وما زالت الملفات العالقة بينهما تحول دون الانسجام المطلوب الذي يضع المجلس على طريق الإنجاز، التوتر المستمر بسبب قضية العفو العام، وتعطيل الاستجوابات، وعدم صعود الرئيس للمنصة، وقانون الدين العام، وأزمة كورونا.. أبرز عناوين الأزمة التي أفضت إلى تعطيل الجلسات بسبب ما اشتهر إعلامياً بلعبة الكراسي، حيث يجلس النواب في المقاعد المخصصة للحكومة؛ فتعلن الحكومة على إثرها عدم حضور الجلسات، فيما يصر النواب على تعطيل الجلسات حتى يصعد رئيس الحكومة منصة الاستجواب.
إزاء هذا المشهد المعقد الذي أصاب الحياة البرلمانية والتشريعية بالشلل التام، تفاعلت الملتقيات السياسية والثقافية لطرح مبادرات مجتمعية ونخبوية وطنية لحلحلة الأزمة بين السلطتين، حيث رسم ملتقى سامي المنيس الثقافي، في بيان أصدره، أمس الأحد، خريطة طريق لحلحلة الأزمة السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مرتكزة على 7 محاور، على رأسها «معالجة الأزمة السياسية والتعاطي معها دون التشبّث بمواقف متشنجة، وإعادة الحياة إلى جلسات مجلس الأمة، وتفعيل دور اللجان البرلمانية، تلاها العمل على إصلاح النظام الانتخابي، ويمكن اعتماد قانون للجماعات والأحزاب السياسية التي تعتمد دستور البلاد مرجعية شمولية وتؤكد إيمانها بالدولة المدنية».
وقال الملتقى، في ختام البيان الذي استعرض أسباب الأزمة في بدايته وما تسببت به من تراجع وتعطيل العمل السياسي وإنجاز القوانين والمساس بالمال العام: «إننا في ملتقى سامي المنيس الثقافي نتطلع إلى صاحب سمو أمير البلاد وسمو ولي العهد، حفظهما الله، لاتخاذ القرارات الملائمة لتمكين البلاد من السير في دروب التنمية المستدامة».
أما المحاور الأخرى من خريطة الطريق، فارتكزت على «إصلاح الأوضاع الاقتصادية والتحرر من فلسفة الريع، وتأكيد أهمية التنمية البشرية، والعمل على إصلاح النظام التعليمي، والتعامل مع الرعاية الصحية بمهنية، كما أنه يتعين على الدولة أن تعيد النظر في سياسات الرعاية السكنية وتوفير آليات تتسم بالكفاءة، مثل تمكين المطورين العقاريين، وتكريس الجهود لتمكين القضاء من الاقتصاص من المتورطين كافة، وإعادة الأموال وتنفيذ الأحكام المستحقة بحقهم.
الانسداد السياسي
يرى أعضاء الملتقي أن استمرار حال الانسداد السياسي في الكويت وتسبب في تعطل أعمال مجلس الأمة وتبخر آمال المواطنين في إمكانية إصلاح أوضاع عديدة في البلاد مثل تعديل النظام الانتخابي وإصلاح الحياة الاقتصادية وترشيد السياسات المالية، بما يمكن من مواجهة المتغيرات في اقتصاديات الطاقة في عالمنا الجديد.
قصور في الأداء المؤسسي
ويتضح من أزمة العلاقات بين الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء ومجلس الأمة أن هناك سلبيات رافقت العمل بالدستور منذ إقراره عام 1962، لا بد من قراءة الممارسات وتبيان القصور في الأداء المؤسسي وكيف يمكن تطوير العمل السياسي وربما تعديل عدد من مواد الدستور بما ينقل البلاد إلى حياة ديمقراطية حقيقية ومكتملة.
تحليل الأزمة
ويرى الملتقى أنه لا بد من الإقرار بأن البلاد خلال مسيرتها منذ بداية الحياة الدستورية عام 1961، وربما قبل ذلك، أي منذ بداية عصر النفط، اعتمدت سياسات اقتصادية واجتماعية عطلت التطور الثقافي اللازم لتعزيز مسيرة الديمقراطية في البلاد، لا شك أن مخرجات الانتخابات على مدى العقدين المنصرمين قد كانت دون الطموحات واعتمد الأعضاء على مقترحات شعبوية ومواقف تعزز إمكانية إعادة انتخابهم دون تبنٍّ لبرامج وسياسات إصلاحية تمكن من الانتقال إلى مستويات متحضرة وعصرية وتعزز الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، ويضاف إلى ما سبق ذكره أن تشكيلات مجلس الوزراء المتعاقبة لم تساهم في تطوير إدارة سياسية قادرة على مواجهة الاستحقاقات والتعامل مع طروحات أعضاء مجلس الأمة الشعبوية.
تداعيات الأزمة الراهنة
ويرصد الملتقى الكثير من تداعيات الأزمة الراهنة التي تصاعدت منذ انتخابات مجلس الأمة الحالي في الخامس من ديسمبر الماضي، ومنها تعطيل العمل السياسي وتعطيل إنجاز القوانين والبرامج اللازمة لانتشال البلاد من التخلف الاقتصادي والتراجع في جودة التعليم والإخفاقات في ملفات الرعاية الصحية والرعاية السكنية، وأدت إلى التجاوز على المال العام وتبني سياسات مالية تتسم بالهدر بالرغم من الشكوى من تراجع الإيرادات والعجز في الميزانية العامة للدولة.
المال العام هو الضحية
وأكدت عدم التوافقات بين الحكومة ومجلس الأمة مؤخراً من خلال الجلسات القليلة التي عقدت أن المال العام هو الضحية مثل ما حدث بشأن تأجيل سداد القروض دون مبررات منطقية أو تخصيص مبلغ يقدر بـ600 مليون دينار لمكافآت الصفوف الأمامية، وأكدت، أيضاً أن هناك غياباً للحصافة والمسؤولية لدى الطرفين، السلطة التنفيذية والتشريعية في التعامل مع المسائل ذات الصلة بالاقتصاد أو السياسات المالية، أما التنمية المستدامة فهي آخر ما يمكن للسلطتين التفكير فيه.
المحاور السبعة لحلحلة الأزمة
ولم يكتف الملتقى بتوصيف الأزمة وتداعياتها، بل قدَّم مبادرة من 7 محاور لحلحلتها، ودعا الحكومة ومجلس الأمة لتبني إستراتيجيات واضحة للخروج من نفقها المظلم في ظل التأزم والإهمال للإصلاح السياسي وتعديل الهياكل الاقتصادية وعدم إصلاح السياسات المالية أو مراجعة النظام التعليمي وغير ذلك من قضايا أساسية عديدة تستحق الاهتمام، منها مسائل البيئة والتجنيس ومعالجة ملف البدون أو عديمي الجنسية، وحقوق الكويتيات وأبنائهن من غير المواطنين، وهي قضايا تستحق التعامل معها بأريحية وتتوافق مع ما تم اعتماده في البلاد المتقدمة وربما في عدد من الدول العربية والنامية.
المحاور السبعة
أولاً: معالجة الأزمة السياسية والتعاطي معها دون التشبث بمواقف متشنجة وإعادة الحياة لجلسات مجلس الأمة وتفعيل دور اللجان البرلمانية للتعاطي مع مختلف مشاريع القوانين والبرامج المتعلقة باختصاصاتها.
ثانياً: العمل على إصلاح النظام الانتخابي بما يؤكد قدرة المواطنين على انتخاب الأعضاء دون التمترس بالقبلية والطائفية، وتوفير آليات وأدوات سياسية تؤدي إلى تأهيل مرشحين إصلاحيين يهتمون بالقضايا الوطنية دون الخضوع للولاءات الضيقة، ويمكن اعتماد قانون للجماعات والأحزاب السياسية التي تعتمد دستور البلاد مرجعية شمولية وتؤكد إيمانها بالدولة المدنية.
ثالثاً: العمل على إصلاح الأوضاع الاقتصادية، والتحرر من فلسفة الريع التي اعتمدتها البلاد على مدى العقود السبعة الماضية، وتأهيل القطاع الخاص لممارسة دور حيوي في النشاط الاقتصادي بما يعزز التنمية المستدامة.
رابعاً: التأكيد على أهمية التنمية البشرية، والعمل على إصلاح النظام التعليمي والارتقاء بجودة مخرجاته، وتعزيز برامج التعليم المهني الضرورية لتوفير عمالة وطنية في سوق العمل يمكن أن تضطلع بمهن ووظائف في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
خامساً: التعامل مع الرعاية الصحية بمهنية وتوفير طاقم طبي فني وإداري بما يمكن من التعامل مع الأوبئة والجوائح والأمراض بتكاليف معقولة، كذلك لا بد من اعتماد نظام تأمين شامل يغطي كافة المواطنين والمقيمين يعزز من القدرة على ضبط الإنفاق، أيضاً لا بد من مراجعة برامج العلاج في الخارج وقصره على الحالات الصعبة أو المستعصية العلاج محلياً.
سادساً: يتعين على الدولة أن تعيد النظر في سياسات الرعاية السكنية وتوفير آليات تتسم بالكفاءة مثل تمكين المطورين العقاريين من توفير السكن المناسب للمواطنين ضمن شروط مناسبة وبعد تحرير الأراضي بما يمكن المواطنين من اقتناء السكن بتكاليف متهاودة وفي ذات الوقت تعزيز دور النظام المصرفي من توفير التمويل طويل الأجل من خلال أنظمة الرهن العقاري.
سابعاً: تظل مسألة الفساد السياسي والإداري من المعضلات الرئيسة المعطلة للحياة السياسية، ولذلك لا بد من تكريس الجهود لتمكين القضاء من الاقتصاص من كافة المتورطين وإعادة الأموال وتنفيذ الأحكام المستحقة بحقهم.
وبعد، فهل تلتفت السلطتان لمثل هذه المبادرات الوطنية، وتمد يد التعاون للخروج من الأزمة الراهنة التي أصابت الحياة السياسية والاقتصادية بالشلل التام وأضرت بمصالح المواطنين في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية بالغة الحساسية والأزمة الاقتصادية التي أفرزتها جائحة “كوفيد-19″؟