لم تمنع الأمطار الغزيرة والتقلبات الجوية التي شهدتها تونس في اليومين الماضيين من خروج آلاف التونسيين إلى الشارع في العاصمة التونسية للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وعودة المسار الديمقراطي، وعودة البرلمان، وإطلاق سراح المساجين السياسيين، ومحاسبة كل من أجرم في حق التونسيين، ورفعت صور شهيد المسيرة الثامنة في 14 يناير الماضي رضا بوزيان، وصور عميد المحامين السابق عبدالرزاق الكيلاني، المعتقل حالياً.
وقدرت أعداد المشاركين بأكثر من 30 ألفاً، في حين قالت وزارة الداخلية: إنهم 800 فرد.
وأكد المتحدثون من على منصة المسيرة على فشل الانقلاب بعد فشل الاستشارة الإلكترونية التي أرادها أن تكون نوعاً من الاستفتاء على مشروعه الاستبدادي كما يقولون، مرددين “الشعب يريد ما لا تريد”؛ أي الديمقراطية والحريات والحياة الحزبية الحقيقية والتداول السلمي على السلطة عبر التمثيل النيابي وآليات حكم الأغلبية والرقابة المتبادلة داخل مؤسسات الدولة.
بوعجيلة: شرعية سعيّد سقطت بالانقلاب
سقوط شرعية سعيّد
عضو مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” حبيب بوعجيلة قال: إن شرعية قيس سعيّد سقطت بالانقلاب، وسقطت بإغلاق البرلمان، وحل الحكومة التي صادق عليها البرلمان، وسقطت بحل المجلس الأعلى للقضاء، وسقطت بالمراسم التي أصدرها، وسقطت بفشل الاستشارة الإلكترونية التي أرادها استفتاء شعبياً على مشروع المعيد لمخازي اللجان الشعبية في ليبيا.
واتهم بوعجيلة الرئيس التونسي بأنه رهن السيادة الوطنية، وأعاد الاحتلال الأجنبي إلى تونس، وذكر بأن سعيّداً لا يعترف بذكرى الاستقلال؛ لأنه يعتبر الاحتلال حماية وليس لأنه استقلال شكلي أو احتلال غير مباشر، في حين أن التونسيين يعتبرون الاستقلال مساراً بدأ في 20 مارس 1956 وهو الاستقلال الأول، ومثّل يوم 14 يناير 2011 مرحلة الاستقلال الثاني.
وقال: إن وجود آلاف التونسيين في الشارع رغم الظروف المناخية وتهاطل الأمطار لا يعني أن الحريات متوفرة، لا، وجود الحواجز الأمنية وآلاف الأمنيين يحاصرون المتظاهرين ليس مشهد حريات، وإنما مشهد قمع، فهذه المتاريس (الحواجز الأمنية) وهذه الحشود الأمنية وضعت هنا للحيلولة دون توجهنا إلى البرلمان.
ودعا بوعجيلة الأحزاب والمنظمات التي لم تلتحق بعد فعلياً بالحراك المناهض للانقلاب بأن تحزم أمرها اليوم قبل الغد، ومن ذلك دعوة النقابات لاختصار الطريق لأن المواجهة قادمة بينها وبين الانقلاب، على حد قوله.
وأشار إلى أن عدم الذهاب إلى البرلمان مهما كلف ذلك ليس إلا حقناً للدماء، فالانقلاب أتفه من أن تسفك الدماء بسببه.
الشواشي: المنع من وصول البرلمانيين والمتظاهرين إلى البرلمان لن يغيّر الحقيقة
دروس في النضال
وأثنت نائبة رئيس البرلمان سميرة الشواشي على المتظاهرين الذين صنعوا بوجودهم المكثف في الشارع ملحمة كبيرة رغم معاناة السفر، وقلة ذات اليد، وخاطبت الحاضرين: دائماً تعطوننا دروساً في النضال والثبات على المبدأ.
في حين وجهت نقداً لاذعاً لمن وصفتهم بأنهم قدموا شهادة زور بحق الانقلاب قبل أن يدركوا أن أطماعهم ذهبت أدراج الرياح، سواء بتخليصهم من منافس سياسي عجزوا عن إسقاطه بالانتخابات وبالتصويت داخل البرلمان، أو بالحصول على فتات السلطة بعد أن عجزوا أيضاً من الوصول إليها عبر الآليات الديمقراطية والتفويض عبر صناديق الاقتراع.
وقالت: إن المنع من وصول البرلمانيين والمتظاهرين إلى البرلمان لن يغيّر الحقيقة، فنحن الشرعية وهم الانقلاب، نحن نحتفل بذكرى الاستقلال وهم من حماهم ويحميهم الاستعمار.
وخاطبت الشواشي رئيسة الحكومة نجلاء بودن: ليست كل امرأة تولت مهمة شرّفت المرأة، فشتان بين عزيزة عثمانية التي أنفقت مالها في الخير، ونجلاء بودن التي أهدرت المال العام في استشارة إلكترونية لا تهم الشعب في شيء، ولا يوجد لها سند قانوني.
ماذا بقي من الانقلاب؟
رياض الشعيبي، المستشار السياسي لزعيم حركة النهضة، أشار إلى أن البعض يتحدث عن الانقلاب، ويغفل أن الانقلاب تآكل، في حين أن السؤال الموضوعي اليوم: ما الذي بقي من الانقلاب؟ ويتساءل البعض: متى يسقط الانقلاب؟ في حين أنه سقط بالفعل.
وشرح ذلك بالقول: لقد سقط عندما خان القسم بحفظ الدستور، وعندما أغلق البرلمان، وعندما أنزل البوليس لقمع المتظاهرين وقتل رضا بوزيان، وعندما رمى الأبرياء في السجون، وعندما اضطر معارضون للهجرة، وعندما أجاع شعبه بسياساته الخرقاء.
بن مبارك: تونس أمام خطر داهم والجميع يدرك ذلك
الشعب أنهى الانقلاب
وأكد عضو تنسيقية “مواطنون ضد الانقلاب” (المبادرة الديمقراطية) جوهر بن مبارك على وصول عديد المشاركين في المسيرة لأكثر من 30 ألف متظاهر، إضافة إلى 30 ألف متابع عبر وسائل الاتصال الاجتماعي التي تنقل البث المباشر.
كما أكد الإصرار على عودة البرلمان والحياة الديمقراطية إلى البلاد ورفض الانقلاب: سنعيد البرلمان، وسنعيد المجلس الأعلى للقضاء، وسنشكل حكومة تشرّف تونس.
وتطرق للاستشارة الإلكترونية، قائلاً: الشعب أنهى الانقلاب من خلال رفضه المشاركة في الاستشارة الإلكترونية رغم الدعاية العريضة؛ مما اضطر الانقلاب لفرضها على مستخرجي الأوراق الإدارية، والراغبين في التلقيح ضد كورونا، وعلى طلاب المدارس.
وجدد بدوره الدعوة لبقية الأحزاب والمنظمات للالتحاق بالحراك المناهض للانقلاب؛ لأن الوقت يمضي، ولم يعد هناك مجال للانتظار، والبلاد تنهار، على حد قوله.
وأضاف: تونس أمام خطر داهم، والجميع يدرك ذلك، وهذا الإدراك يجب أن يترجم في تصور شامل لمرحلة ما بعد الانقلاب.