ما تقوم به السلطات الهندية في الفترة الأخيرة من الإساءة لخير البشر بصورة لا تليق، وقبلها اضطهاد المسلمين، وقتلهم واعتقالهم، بصورة عنصرية مقيتة؛ يؤكد أن هذه الحكومة الحالية تمارس كل أنواع العنصرية بشكل فجّ، ويجب إيقافها عند حدّها، وخصوصًا إذا تعلق الأمر بالمقدسات الإسلامية.
فالأمر وصل إلى استخدام نفس الأسلوب والطريقة المستخدمة في الأراضي المحتلة من قِبل الكيان الصهيوني، بهدم منازل الناشطين الذين يعترضون على الإساءة للنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، فكما يقوم المحتل الإسرائيلي بهدم بيوت الفلسطينيين والمقاومين، تسير الآن السلطات الهندية على نفس الأسلوب! إنه الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين.
حزب مودي واضطهاده للمسلمين في الهند
يمثل المسلمون البالغ عددهم حوالي 195 مليون مسلم، حسب الإحصاءات الرسمية، أقلية في الهند، مع العلم أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، ومع ذلك يتم اضطهادهم من حين لآخر بشكل وحشي، وازداد في السنوات الأخيرة بعد وصول “ناريندرا مودي” إلى رئاسة الحكومة منذ العام 2014م، وهذا الشخص يحمل عداءً شديدًا للإسلام والمسلمين.
ولم تعد دعوات التطهير العرقي وقتل المسلمين أمرًا مستهجنًا في الهند، مع تردد الحكومة الحالية في اتخاذ أي إجراء ضد هذه الأجندة المتطرفة، والتي تلقى دعمًا وتأييدًا من قبل قادة سياسيين ومسؤولين عن الأمن، لا سيما من قبل حزب “بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي الحاكم، والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي.
وبات المتطرفون الهندوس يهيمنون على السياسة في البلاد، ليصبح الداعون للعنف ضد المسلمين يشعرون بالحماية، ووصل الخطاب العنيف إلى مرحلة جديدة وخطيرة، من دعوات للاستعداد لـ”قتل مليوني مسلم”، إلى محاولة عزل المسلمين، بقرار حظر ارتداء الحجاب في مدارس جنوبي البلاد، وغيرها من الاعتداءات المتكررة.
ويجد خطاب بعض الهندوس المتطرفين التحذيري من المسلمين في الهند، بأنهم يسعون لتحويل البلاد إلى دولة مسلمة، والحديث عن أن “طالبان”، و”داعش” نموذجان لما يمكن أن تصل إليه البلاد، ودعوة الهندوس إلى “الاستعداد للحرب”، انعكاسات واضحة المعالم على أكثر من صعيد.
وعلى الرغم من انتشار دعوات رهبان هندوس إلى حمل السلاح ضد المسلمين، فإن “مودي”، وكبار قادة حكومته التزموا الصمت، بل إن أعضاء صغارًا من حزب مودي حضروا احتفالات دينية شهدت دعوات للعنف، وكثيرًا ما نشر رهبان صورًا مع كبار القادة. وتتعزز الرسائل المتطرفة والكراهية الطائفية في ظل “الموافقة الضمنية” عليها من قبل مسؤولين سياسيين وأمنيين لا يتحركون لوقفها.
ومما يزيد قلق مسلمي الهند على مصيرهم، أن هذا التوجّه العنصري ضدهم بات واضحًا داخل السلطة، بل أصبح نهجًا من المتوقع أن يسير عليه من يخلف مودي في السلطة، مع بروز اسم الراهب البوذي المعروف بتصريحاته المناهضة للمسلمين “يوغي أديتياناث”، الذي يقود حزب “بهاراتيا جاناتا” في أوتار براديش، أكبر ولاية هندية من حيث عدد السكان، وهو راهب كان قد أسس مجموعة شبابية متهمة بارتكاب أعمال عنف أهلية، والذي يتحوّل إلى أبرز المرشحين لخلافة رئيس الوزراء الحالي.
وآخر هذه الانتهاكات قتل إمام مسجد خاليسبور المُسنّ، الذي كان نائمًا في المسجد، في مدينة سيوان بولاية بيهار، بعد أن قطعوا رأسه، وتركوه ينزف يوم السبت الموافق (18-6-2022م).
فاطمة ورفاقها أمام توحش حكومة مودي
لقد تفاعل المسلمون في الهند، وقاموا بالاحتجاج في الشوارع على ما قاما به اثنان من أعضاء حزب رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” القومي الهندوسي “بهاراتيا جاناتا”، بالإساءة للإسلام والنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم. وكان من بين هؤلاء المسلمة الناشطة “فاطمة عفرين”، التي عبّرت عن استيائها من هذه التصريحات.
وقامت السلطات بمداهمة بيتها واعتقال والدها، ولم يُعرف مصيره حتى الآن، وتعاملت الحكومة الهندية المتطرفة معها ومع المسلمين بطريقة وحشية، فقامت بهدم منزلها يوم الأحد الموافق (12-6-2022م)، في ولاية “أوتار براديش”، وبيوت مسلمين آخرين بالبلدوزر أمام أعينهم.
وليس هذا فحسب، بل شهدت العديد من المدن استخدام السلطات لهذا السلوك العدواني خوفًا منهم من انتشار الإسلام بين الهندوس، حسب ما ذكرته عفرين، مع حملات تضييق واسعة النطاق ضد المسلمين أعقبتها اعتقالات تعسفية تم خلالها التشهير بالنشطاء المسلمين والاعتداء عليهم بطريقة غير قانونية.
وحمّلت فاطمة المسؤولين الهنود في الحكم تبعات ما يجري في الهند من انتشار واسع لخطاب الكراهية ضد المسلمين ما يبرر للعديد من الهندوس القيام بعمليات اعتداء ضد أبناء الأقليات المسلمة.
وهكذا واجهت فاطمة عفرين، الناشطة الهندية المسلمة، نفس المصير الذي تواجهه أية فتاة فلسطينية على أرض فلسطين، فقد قُمعت وضُربت واعتُقلت، ثم أكملت السلطات الهندية المشهد الإسرائيلي بهدم منزلها في ولاية أوتار براديش، بعد أن أصبحت إجراءات هدم المنازل السياسة الجديدة المعتمدة من قبل السلطات الهندية لمعاقبة النشطاء الذين يدافعون عن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وعن الأقليات المسلمة في البلاد والانتقام منهم.
تاريخ الجرائم البشعة ضد مسلمي الهند
يتعرض المسلمون في الهند منذ عقود لأبشع أنواع العنف والتعذيب، وتزداد حدة هذه الانتهاكات الجسيمة التي أسفرت عن سقوط آلاف القتلى، يومًا بعد يوم نتيجة التحريض السياسي والإعلامي، الذي عمّق الانقسامات الطائفية.
ومنذ استقلال شبه الجزيرة الهندية عن بريطانيا عام 1947م وتقسيمها إلى باكستان ذات الغالبية المسلمة، ثم سيطرة الهندوس على الهند واعتبار مسلميها أقلية، بدأ المتطرفون الهندوس هجمات ومذابح متتالية بحق المسلمين، ومن أبرز الأحداث التي شكّلت جحيمًا في ذاكرة مسلمي الهند:
- إبادة جماعية في كشمير 1947م، حيث نفذت الهند إبادة جماعية بحق نحو 250 ألف مسلم في كشمير عام 1947، وذلك إبّان ضمّها إلى الهند عقب استقلال الأخيرة من الاحتلال البريطاني.
- هجمات كالكوتا 1964م، الذي لقي فيها أكثر من 100 شخص مصرعهم في أعقاب هجمات متطرفين هندوس على أحياء المسلمين في مدينة كالكوتا الهندية عام 1964م، إضافة إلى اعتقال أكثر من 7 آلاف شخص، وإصابة 438 آخرين في الاشتباكات التي امتدت إلى المناطق المحيطة.
- مذبحة نيلي 1983، التي قُتِل فيها ما يقرب من 1800 مسلم من أصل بنغالي على يد قبائل لالونغ، المعروفة أيضًا باسم تيوا، في قرية تُسمّى نيلي، بولاية آسام الهندية عام 1983. وتُعتبر المذبحة واحدة من أفظع المذابح منذ الحرب العالمية الثانية، إذ كان غالبية الضحايا من النساء والأطفال.
- هجمات غوجارات بين أعوام 1969 و1989م، حيث نفّذ متطرفون هندوس هجمات على المسلمين بولاية “غوجارات الهندية”، وتشير التقديرات إلى أن 630 شخصًا لقوا حتفهم جرّاء الهجمات عام 1969.
- وفي عام 1980م قُتِل ما يقدّر بنحو 2500 مسلم بمدينة “مراد آباد” بولاية أتر برديش، وخلصت تحقيقات لمراقبين إلى أنّ الشرطة المحلية تورّطت بشكل مباشر في التخطيط لأعمال العنف ضد المسلمين.
- مذبحة هاشيم بورا 1987م، التي اعتقلت فيها الشرطة المسلحة الإقليمية في الهند 42 شابًا مسلمًا من هاشيم بورا بولاية أوتار براديش في 22 مايو/أيار 1987، ونقلتهم في شاحنات إلى أطراف المدينة قرب منطقة غازي آباد، وأطلقت الشرطة النار عليهم وألقت جثثهم في قنوات المياه.
- وفي عام 1989م لقي ما يزيد على ألف مسلم مصرعهم بمدينة “بهاجالبور” الهندية التابعة لولاية بيهار، وجاء ذلك نتيجة عمليات استعراض قوة نفّذها متطرفون هندوس تابعون لحركة “VHP” التي تهدف إلى التهديد وإثارة الذعر وسط الأقلية المسلمة.
- هجوم مومباي 1992م، قُتِل فيه نحو 900 شخصًا في أعمال عنف وإطلاق نار من قبل القوميين الهندوس ضد المسلمين، وجُرِح ما يزيد على ألفَي شخص، فيما نزح الآلاف داخل البلاد، وذلك إثر حادثة الهجوم على المسلمين الذي تخلّله تدمير مسجد بابري التاريخي في مومباي، وهي إحدى أشهر حوادث الاضطهاد الديني ضد المسلمين في الهند.
- مذابح غوجارات 2002م، التي اتهم فيها متطرفون هندوس الأقلية المسلمة بإحراق قطار “جودهرا” بولاية غوجارات الهندية، واتخذ المتطرفون الحادث ذريعةً لارتكاب فظائع وجرائم ومذابح بحق المسلمين، وتعرّضت قرية “شامانبورا” ذات الغالبية المسلمة لهجمات بشعة، إذ أحرق المهاجمون منازل المسلمين واعتدوا جنسيًا على فتيات صغيرات ثم حرقوهن وهن على قيد الحياة.
هذه بعض الجرائم التي تمارسها السلطات الهندية في حق المسلمين، وازدادت في الآونة الأخيرة بعد الاحتجاجات التي قام بها المسلمون في أنحاء الهند، لنصرة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، ومارست فيها أقسى أنواع العنصرية بهدم منازل المحتجين والناشطين بالبلدوزر، كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين!
وعلى الرغم مما يعانيه المسلمون في الهند إلا أننا وللأسف، نجد تخاذل كثير من الدول، التي لا تحرك ساكنًا، ولو على أضعف الإيمان، لإبداء الاستنكار والاحتجاج، والتهديد بتجميد المصالح الهندية، وما أكثرها في بلاد المسلمين، الذين انشغلوا بأمورهم الداخلية، والدفاع المستميت عن التطبيع الإسرائيلي المذل، وغفلوا عن مسؤولياتهم تجاه إخوانهم في الدين والإنسانية. بل وصل الأمر ببعض دول الخليج أن قامت بزيادة التبادل التجاري بينها وبين الهند في الآونة الأخيرة.
أقول: يجب التدخل سريعًا من قبل الحكومات الإسلامية، والمنظمات الدولية لحماية المسلمين في الهند من الاعتداءات التي يتعرضون لها بصورة وحشية، وذلك لتجنب الوقوع في كارثة ضخمة، قد يكون لها ما بعدها.
ـــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن “عربي بوست”.