بوساطة أمريكية دامت عامين، نجح لبنان وإسرائيل بالتوصل إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، حددت بموجبه المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر الأبيض المتوسط.
وجاء الاتفاق وسط أجواء إيجابية انعكست في التعليقات المعلنة في كلٍّ من بيروت وتل أبيب، حيث وصفه البلدان بـ “التاريخي”، لأنه سيسمح للجانبين بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها التابعة لمياههما الإقليمية.
وبحسب بنود الاتفاق “سيدخل الاتفاق حيز التنفيذ عندما ترسل الولايات المتحدة إشعارًا يتضمن تأكيدًا على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاق”.
وستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، اللتين حصلتا في العام 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة.
أما إسرائيل فستحصل على “تعويض من مشغل البلوك 9″، بما أن جزءًا من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية، في إشارة إلى شركتي توتال وإيني، “لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في المكمن المحتمل”.
وعلّق الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، بالقول: “عندما يقول المسؤولون اللبنانيون إن الاتفاق يحقق المطالب اللبنانية فليس لدينا مشكلة، وما يهمّنا هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية”.
* ربح أم خسارة؟
وبحسب مراقبين، يمثل الاتفاق “أول انفراجة دبلوماسية كبيرة” بين الجانبين منذ عقود، لكنه لا يزال “محدود النطاق” نسبيًا ولا يشمل حلاً للنزاع طويل الأمد حول الحدود البرية بينهما.
وقد وضع محللون لبنانيون الاتفاق بين “البلدين العدوّين” في ميزان أن الكيان الصهيوني”الرابح الأكبر” بعد حصولها على حقل كاريش كاملًا وجزءًا من حقل قانا، إضافةً إلى حصولها على تعهدات بالاستقرار الأمني على الحدود وإبقاء الحدود من دون ترسيم.
في المقابل، يرى آخرون أن الاتفاق “قد يستفيد منه حزب الله لتحسين صورته في الخارج وخاصة تجاه العقوبات الأميركية”، فيما خسر لبنان الخط 29 الذي كان يعطيه جزءًا من حقل كاريش.
فيما أكد غيرهم أن الاتفاق يعد “إنجازاً للبنان” الذي تمكن من تحييد خط هوف الذي كانت تصرّ عليه الإدارة الأميركية، واعتماد الخط 23 بدلاً منه وبالتالي حصل على حقل قانا النفطي.
* “نقاط ضعف للبنان”
واعتبر المحلل الصحافي منير الربيع، أن “الاتفاق قد يعطي دفعًا اقتصاديًا وأملا إيجابيًا من خلال ما سيحققه الترسيم للبنان من استقرار أمني وعودة تعاطي القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني بإيجابية”.
وأوضح أنه “في ميزان الخسارة، فإن لبنان قدّم تنازلاً عن الخط 29 رغم حصوله على الخط 23، إضافة إلى وضع قرار حل أي نزاع بين الجانبين بيد الأميركي”.
ولفت إلى أنه “لا يمكن للبنان أن ينقّب في الرقعة النفطية رقم 9 التي يقع ضمنها حقل قانا، قبل الوصول إلى اتفاق من مع شركة توتال والإسرائيليين على دفع التعويضات، وكلها عناصر تكوّن نقاط ضعف للبنان”.
وأضاف أن “الأهم أيضًا عدم ترسيم الحدود نهائيًا فيما يتعلق بخط الطفّافات، وهذا يعني أن الإسرائيلي سيستمر بالدخول إلى هذه المنطقة، أما لبنان سيبقى مصيره معلّقا فيما يتعلق بترسيم تلك المنطقة”.
وتابع الربيع أن “تعليق ترسيم الحدود إلى أجلٍ غير مسمّى لا تستفيد منه الدولة اللبنانية، وإنما يستفيد منه حزب الله من خلال استخدامه كذريعة للاحتفاظ بسلاحه لحين ترسيم الحدود”.
وقال: “على الجانب الصهيوني لا أعتقد أن هناك خسارة، فهو أمّن حماية لاستخراج الغاز من كاريش، إضافة إلى تعويضات عن جزء من الحقل اللبناني قانا عبر شركة توتال، أما النقطة الثالثة والأهم فهي توفير مقوّمات الاستقرار الذي لطالما سعت إليه الاحتلال الصهيوني”.
* “إنجاز للبنان”
من جهته قال الكاتب والباحث السياسي ميشال أبو نجم، إن اتفاق الترسيم “شكّل إنجازًا للبنان الذي تمكّن من تحييد خط هوف الذي كانت الإدارة الأميركية تصرّ عليه، واعتماد الخط 23 بدلاً منه.
وأشار أبو نجم، القريب من التيار الوطني الحر (تيار الرئيس الحالي ميشال عون)، إلى أن “الاتفاق مكّن لبنان من المحافظة على السيادة بعدم الاعتراف بخط الطفّافات الحدوديّ، ولو تطلب ذلك تأجيل البحث فيه إلى وقتٍ لاحق”.
ولفت إلى أنه “في الشق الاقتصاديّ، لا علاقة للبنان بإسرائيل فالتعويضات التي يتم الكلام عنها ستدفعها توتال من حصتها”.
وأوضح أن “الكيان الصهيوني، بطبيعة الحال، حصلت على بعض ما تريده، لكن ليس على حساب لبنان وسيادته وثرواته”.
* “صورة إيجابية لحزب الله”
بدوره اعتبر الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، أن “الحزب استفاد من خلال تركيز دوره في المفاوضات واستخدام دور المقاومة”، مشددًا على أن “الاتفاق سيريح لبنان اقتصاديًا وسياسيًا وسيتعزّز دور الحزب مستقبلاً”.
وأوضح قصير، القريب من جماعة حزب الله اللبناني، أن “الترسيم سيعطي صورة إيجابية عن دور الحزب إقليميًا ودوليًا ولبنانيًا، وثبّت موقعه من خلال التسوية حول رئاسة الجمهورية وإعادة البحث في مستقبل النظام السياسي والإصلاحات الاقتصادية والسياسية”.
ولفت إلى أن “إسرائيل استفادت من حالة الهدوء الأمني واستخراج الغاز والنفط وإبقاء نقاط الترسيم عالقة وأخذ حصة مالية من شركة توتال”.
* ليس ترسيماً.. بل صفقة!
أما الكاتب والمحلل السياسي طوني بولوس، رأى أن “الذي جرى ليس ترسيمًا، وإنما صفقة، لأن الترسيم يجري وفق معايير قانون البحار الدولي أمام محكمة العدل الدولية”.
وأكد أن “إسرائيل هي الرابح الأكبر من هذه الصفقة التجارية، إذ استفادت منها اقتصاديًا بحصولها على مساحة أوسع بعد تنازل لبنان عن الخط 29، وحصولها على جزء من الحقل اللبناني قانا”.
وأشار إلى “إسرائيل ضمنت الاستقرار والازدهار الاقتصاديّ، واستراحت من أي مواجهة أمنية مستقبلاً مع حزب الله بفضل اتفاق الحدود”.
وتابع: “أما في لبنان، فقد استفادت الطبقة السياسية اللبنانية التي أخذت مشروعية من المجتمع الدولي للاستمرار في الحكم، مما سيخفف الضغوطات بالتالي على حزب الله”.
وربط بولوس بين ما يجري في المفاوضات الأميركية الإيرانية في ملف النووي وملف ترسيم الحدود اللبناني الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن “إيران بعد اتفاق الترسيم ضاعفت نسبة صادرتها النفطية الأمر الذي سيزيد من عائداتها النفطية”.
والخميس الماضي، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون موافقة بلاده على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عقب مفاوضات غير مباشرة معها لعبت واشنطن دور الوسيط فيها، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الاتفاق بـ”التاريخي”.
وخاض البلدان مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أمريكية حول ترسيم الحدود في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعًا.