تلوث المياه وانهيار شبكة الصرف الصحي بشكل كبير في المناطق الريفية وخاصة في مخيمات السوريين التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، عوامل أدت إلى عودة وباء الكوليرا للمرة الأولى منذ عام 1993.
بعد نحو أسبوعين من تسجيل أول حالة إصابة بالكوليرا في لبنان، حذر وزير الصحة فراس الأبيض، في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء، من وجود انتشار واسع للمرض في البلاد، مؤكدًا أن معظمه لدى النازحين السوريين.
وأوضحت وزارة الصحة، في إحصائية صدرت مساء الخميس، أن عدد الوفيات بالوباء وصل إلى 5، فيما بلغ عدد الإصابات 220 إصابة.
وثبت لوزارة الصحة اللبنانية أن ثمة مياهًا ملوثة تستعمل في ري الخضار، وثمة مصادر متعددة لذلك من بينها نهر ببنين في عكار شمال لبنان.
بتخوف لبنان الرسمي والشعبي من انتشار الوباء على مستوى البلاد حيث اتخذت وزارة الصحة اللبنانية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصة أعلى درجات الحيطة والحذر لمنع انتشار بؤرة الوباء بشكل أوسع.
أسباب الوباء
وقالت وزارة الصحة: إن الكوليرا ناتجة عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو مواد غذائية ملوثة، أو من شخص إلى آخر عبر الأيدي الملوثة وتمتد فترة حضانة المرض من يومين إلى 5 أيام، وتشمل الأعراض إسهالاً مائياً غزيراً مسبباً مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة في حال عدم المعالجة.
وأوصت الوزارة اللبنانيين والمقيمين بعدم شرب أو استعمال مياه غير مأمونة ونصحت بشرب الماء من قوارير مياه معبأة مقفلة مضمونة المصدر، وأيضًا عدم الشرب والأكل من الأواني نفسها مع الآخرين.
ويعاني لبنان أيضاً من مشكلات تلوث تاريخي في مصادر المياه لديه، إضافة إلى أزمة نفايات قديمة، فضلاً عن أزمة صرف صحي تزداد حدة مع انقطاع الكهرباء عن كثير من محطات تكرير الصرف الصحي.
إضافة إلى تلوث أنهار رئيسة في البلاد يعتمد عليها المزارعون للري، كما هي الحال مع نهر الليطاني، وهو ما يمثل بيئة مثالية لانتشار الكوليرا.
وتنتشر الكوليرا حسب البلدات اللبنانية، شمالاً بالدرجة الأولى، إذ سجلت 80% من الإصابات، بينها عرسال البقاعية (شرقاً) ومناطق أخرى 20%، مع الإشارة إلى أن الحالة الأولى سجلت في عكار شمالي لبنان وكانت الأولى منذ عام 1993.
وفي زيارة إلى منطقة ببنين في عكار شمال لبنان والتقت المسؤولين ومرضى في المستشفيات ونازحين سوريين أكدوا أن الوباء تفشى نتيجة المياه الملوثة وارتفاع أسعار أدوات النظافة.
اكتظاظ سكاني
رئيس بلدية بلدة المحمرة عكار عبدالمنعم عثمان قال: إن المنظمات الدولية تعمل في المخيمات لتخفيف من انتشار الوباء قدر الإمكان ولكن العمل ليس مثالياً كما يجب.
ولفت عثمان إلى أن مجرى نهر البارد الذي ينبع من الضنية (شمال شرق) وجرود عكار (شمالاً) ويصل إلى منطقتنا القريبة من الشاطئ ونحن نأخذ حاجتنا من المياه من مصب هذا النهر ونسقي الأراضي الزراعية في بلدتنا.
وأضاف: لكن بعد الأزمة الاقتصادية منذ عامين، أصبح كل الناس تأخذون المياه من مجرى النهر.
وأوضح عثمان أن بلدته التي يبلغ سكانها حوالي 3 آلاف نسمة أضيف إليها حوالي 10 آلاف نازح سوري تشهد اكتظاظاً في عدد السكان مما شكل ضغطاً على البنى التحية.
ولفت إلى أنه بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها البلدية لتخفيف من حدة انتشار الوباء بتعاون وتنسيق مع وزارة الصحة اللبنانية والمنظمات الدولية مثل “يونيسف”.
ظروف معيشية متردية
وترقد في مستشفى حلبا (شمالاً) الحكومي مريم حادل (43 عاماً) وهي نازحة سورية تعيش في مخيم ببنين في عكار حيث تعاني من الإسهال والاستفراغ (تقيؤ).
وقالت حادل: إنها ” تشعر بتحسن”.
وأوضحت أنها أصيبت بالوباء “نتيجة الاغتسال بالمياه الآثنة”.
ولفتت حادل إلى أن هيئة أممية (مفوضية اللاجئين) تؤمن لهم المياه بشكل اعتيادي.
من جهته، قال النازح السوري فارس محمد (62 عاماً) وهو أحد سكان مخيم ببنين: إن المياه موجودة ولكن أدوات النظافة غير متوفرة بسبب ارتفاع أسعارها وعدم قدرتنا على شرائها ولو بكميات قليلة.
وأضاف محمد: لا توجد حمامات مستقلة داخل المخيم، فهم يغتسلون داخل الخيمة التي يقيمون ويحضرون الطعام وينامون فيها.
وطالب الجمعيات الخيرية والمنظمات الأممية بمساعدتهم بشراء المنظفات وأدوات الطهارة.
بدوره، قال النازح السوري أحمد الشيخ (30 عاماً): إنهم في مخيم ببنين 018 يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة، لا توجد حمامات ولا شبكة صرف صحي وكل هذا يهدد بوباء الكوليرا.
وأردف الشيخ: أخذنا احتياطاتنا ونأخذ الوقاية الفردية قمنا بتنظيف خزانات المياه لنبعد عنا وباء الكوليرا.
وأشار إلى أن وفداً من “يونيسف” زارهم وأعطاهم إرشادات حول الوقاية من الوباء وحذرهم من خطورته وقدموا بعض المنظفات.
وفي 6 أكتوبر الجاري، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية تسجيل أول إصابة بالكوليرا في البلاد منذ عام 1993 بمحافظة عكار شمالي البلاد.
ونشرت الوزارة، آنذاك إرشادات للوقاية من الإصابة بالكوليرا ومنع انتقال العدوى، أبرزها الاهتمام بنظافة المأكل والمشرب والنظافة الشخصية.
ووفق التقديرات الرسمية، يوجَد في لبنان 1.8 مليون لاجئ سوري، منهم نحو 880 ألفاً فقط مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويعيش معظم اللاجئين السوريين في فقر، كما ساءت ظروفهم المعيشية بسبب غرق لبنان في مشكلات اقتصادية وأخرى متعلقة بإمدادات الطاقة منذ عام 2019.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت، في وقت سابق من أكتوبر الجاري، من أن تفشي المرض يتطور بشكل ينذر بالخطر.