يجري الآن مناقشة مشروع قانون في البرلمان المغربي ضمن مشروع موازنة مالية عام 2023 يقضي بفرض الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل عن طريق الاقتطاع من المنبع بنسبة تصل إلى 20%، ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 20%، ضمن رؤية حكومة لما سمي تكريس العدالة الضريبية.
ويثير مشروع القانون موجة احتجاجات بين صفوف أصحاب المهن الحرة أمام مبنى البرلمان في العاصمة الرباط، منهم أطباء القطاع الخاص، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والمحامون، والمحاسبون والمهندسون، وهي احتجاجات متواصلة ويمكن أن تتصاعد في المرحلة المقبلة.
ويأتي الإعداد لمشروع موازنة عام 2023 في سياق عالمي يتسم بتوالي الأزمات، وغلاء الأسعار.
ويرى مراقبون ومهنيون أن حرمان الحكومة من الإيرادات الكافية واللازمة لتطبيق برنامج الحماية الاجتماعية ليس مبرراً لفرض ضريبة على فئات واسعة من المجتمع المغربي، يشكل أصحاب المهن الحرة النواة الرئيسة لها، إذ من شأن رفع الضرائب الزيادة في تكلفة الإنتاج، ودفع المستهلك البسيط ثمن ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
انتكاسة
ويؤكد الخبير المحاسبي المغربي الطيب أعيس أن مشروع القانون التي تقدمت به الحكومة يعد انتكاسة كبيرة عن الإصلاح الضريبي الذي طبقه المغرب منذ عام 1985.
ويوضح في حديث لـ”المجتمع” أن نسبة الاقتطاع ستصل بهذا المشروع إلى 40% إذا أضفنا الضريبة على القيمة المضافة المحددة في 20% أيضاً، مما يمثل ثقلاً ضريبياً كبيراً على أصحاب المهن الحرة.
ويشير إلى أن المقاربة الجديدة للحكومة في فرض هذه الضريبة، اعتمدت على الاقتطاع الجزافي، بدل المحاسبة الواقعية الذي اعتمدها الإصلاح الضريبي منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما سيساهم في إلحاق الضرر بالاستثمار والتوازن الاجتماعي الذي تخلقه الطبقة المتوسطة.
ويضيف المتحدث ذاته أن هاجس الحكومة كان بهذا الإجراء، الرفع من مداخيل الخزينة العامة دون النظر إلى ما سيحدثه من ضرر في إضعاف الطبقة المتوسطة وزعزعة ثقة المستثمرين في الشركات الصغرى والمتوسطة، والضرب في مقتل للثقة التي كانت سائدة بين الدولة والملزمين بالأداء.
ويرى أن للحكومة جميع الآليات القانونية لمتابعة وزجر المتهربين من أداء الضرائب، بدل اعتبار جميع المستثمرين في المهن الحرة متهربين ضريبياً واقتطاع مبالغ جزافية من المنبع، مبرزاً أن مثل هذا الإجراء قد يدفع الكثير من أصحاب المهن الحرة إلى العمل في القطاع غير المهيكل، بل والهجرة إلى الخارج.
ويبرز الخبير أعيس أن الحكومة لم تشاور الهيئات القانونية الممثلة للمهن الحرة المختلفة قبل الإقدام على هذا الإجراء الجبائي ضدا على المنهجية التشاركية التي أقرها الدستور للجديد للبلاد، وأن الاحتجاجات التي بدأت قد تستمر إلى حين التراجع عنها، وقد تساهم في الرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي.
ضرب لمبدأ العدالة
وكان المحامون أول المحتجين على مشروع القانون منذ حوالي 3 أسابيع، الذين شلوا محاكم المملكة، وخاضوا أشكالاً متعددة من الاحتجاجات بدءاً من الوقفات ومروراً بالاعتصام الليلي أمام المحاكم، وصولاً إلى الإضراب عن الطعام.
وإضافة إلى الاقتطاع من المنبع، تحاول الحكومة فرض على الشركات المدنية للمحاماة أداء مبالغ مسبقة لصندوق المحاكم “مبالغ فيها بل وغير قانونية” عن كل ملف، تتزايد من مرحلة تقاضي إلى أخرى (من 300 درهم في محاكم الدرجة الأولى، 400 درهم في محاكم الدرجة الثانية، 500 درهم في محاكم النقض)، مما اعتبر ضرباً لمبدأ حق التقاضي المجاني للمواطنين المضمون بالدستور، وخرقاً لرسالة الدفاع وخصوصية مهنة المحاماة.
وبالرغم من اقتراح تخفيض مبالغ الاقتطاع من المنبع إلى نسبة 10% عوض 15% بالنسبة للمحامين الذاتيين و5% بدل 10% بالنسبة للشركات المدنية، وإعفاء المحامين الجدد من أداء الضريبة لمدة 5 سنوات وتخفيض مبلغ التسبيق المالي من 300 إلى 100 درهم عن كل ملف، فإن هذا الاقتراح لم يلق إجماعاً عند المحامين واستمرت الاحتجاجات بل اتسعت رقعتها لتشمل مهن أخرى.
ضربة موجعة
تعتبر الإجراءات الجبائية في إطار القانون الجبائي لسنة 2023، كما يرى ذلك شرف لحنش، رئيس التنسيقية الوطنية للأطباء العامين في القطاع الخاص، ضربة قاضية للمهن الحرة عامة وأطباء القطاع الحر خاصة.
ويوضح المتحدث ذاته لـ”المجتمع” أن ذلك إثقال جديد لكاهل الطبيب المغربي لأنه يتم اقتطاع 38% من مجمل المداخيل عوض الأرباح إضافة إلى 6% كحد أدنى من المساهمة.
ويشير إلى أن إجراءات الحكومة غير منطقية، بإلزام الأداء عن مداخيل لم يتمكن بعد منها، مما يحكم على العيادات بالإفلاس، أو الهجرة، علاوة على المساهمة في رفع درجة الاحتقان الاجتماعي.
ويرى الحنش ضرورة إعادة النظر في المنظومة الجبائية لأطباء القطاع الخاص وتمكينهم من نسب متساوية مع المهن الأخرى، وإعادة تعديل التعريفة المرجعية الوطنية التي لم بقيت جامدة منذ عام 2006، في حين ينص القانون على علم وجوب ذلك كل 3 سنوات.
خصوصية
يجمع أصحاب المهن الحرة على رفض مقتضيات القانون الجديد، منهم أيضاً العدول والموثقون والمهندسون، والبياطرة، والمحاسبون، وكذلك الصيادلة الذين لهم ميزة خاصة.
ويذكر طارق غفلي نائب رئيس نقابة الصيادلة في حديث لـ”المجتمع” أنه قبل سنوات، تم إقناع الصيادلة بامتياز تغيير الصيغة القانونية والانتقال من الشخصية الذاتية إلى شركة محدودة المسؤولية بضريبة 10%، قبل أن يتم الرفع من الضريبة، مما أدى إلى انعدام الثقة بين الصيادلة وكل من دعا إلى هذا التحول بدءا من المسؤولين النقابيين وختاماً بوزارة المالية.
ويبرز غفلي أن للصيدليات في المغرب، بغض النظر عن الخصوصيات العلمية والقانونية والأخلاقية، خصوصيات “تجارية” أيضاً؛ لأن الدواء هو الوحيد الذي يتم تحديد ثمنه من طرف وزارة الصحة، ولا يمكن بأي حال الزيادة فيه، لذلك فلا يمكن أن يقارن بأي سلعة مهما كانت إستراتيجية حيث إن باقي المهن ذات المنتجات المحددة ثمنها يتم زيادة ثمنها في حال ارتفاع التضخم، أو قلة المواد الأولية، ارتفاع تكلفة الإنتاج أو النقل أو غير ذلك، أما الصيدليات فهي محكومة بأسعار الدواء المحددة بشكل قار وصارم، ولا يأخذ بعين الاعتبار ارتفاع مصاريف الحياة ولا المشروع بحد ذاته.
ويؤكد أن بهذه الخصوصية في تحديد سعر الدواء، على الحكومة إيجاد صيغة خاصة للصيدليات للتخفيف من العبء الضريبي من جهة وتعويض الصيدليات وتعويض الأعمال المتعددة التي تؤديها لخدمة المواطنين في صرف الأدوية وإسداء النصائح والحراسات الليلة والعادية.
تبريرات
ويقول الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس: إن الإجراءات الجبائية تهدف إلى دعم موازنة الدولة وتحقيق العدالة الجبائية.
وأبرز في ندوة صحفية أن مشروع الموازنة آلية مهمة، علاوة على إجراءات أخرى، لمعالجة المعضلات الاجتماعية وتحفيز الاستثمار والرفع من مستويات التنمية، التي تبقى دون المستوى المنشود.
ويرفع مشروع قانون المالية لسنة 2023 المبلغ الإجمالي لتحملات الميزانية برسم السنة المقبلة، بأكثر من 80 مليار درهم مقارنة مجموع نفقات ميزانية الدولة خلال سنة 2022.
ويقدر مشروع قانون المالية لسنة 2023 المبلغ الإجمالي للتحملات بحوالي 600 مليار و472 مليوناً و763 ألف درهم، بزيادة قدرها 15.42%.
وحسب مراقبين، تريد الحكومة استعادة هوامشها المالية عن طريق ترشيد نفقات التسيير والرفع من المداخيل، من خلال الرفع من الإيرادات الضريبية، مبرزين أن أي تراجع عن الإجراءات الضريبية سيرفع عجز الميزانية الذي يتوقع وصوله لأكثر من 64 مليار درهم، وعلى الحكومة إيجاد حلول مبتكرة لتفادي ذلك.