- ما حكم العمل في التلفزيون بمجال الرسوم والجرافيك باستخدام الحاسوب، خصوصاً عند استخدام الرسوم والصور لما فيه صالح الأمة العربية والإسلامية؟
– من قديم فصَّلنا الأحكام المتعلقة بالتصوير والمصورين في كتابنا “الحلال والحرام في الإسلام”، ورجحنا في ضوء الأدلة الشرعية ما ذهب إليه بعض فقهاء السلف: أن المحرم من الصور هو ما كان له ظل؛ أي ما كان مجسماً، وهو الذي نسميه بلغة العصر “التماثيل”؛ لأنها هي التي تضاهي خلق الله، فإن خلقه تعالى مجسم كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) (آل عمران: 6)، وتصويره تعالى في الأرحام: تحويل الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة، إلى عظام مكسوة لحماً، ثم ينشئه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وجاء في الحديث القدسي: “ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟”، فهذا هو خلق الله؛ إنه مجسم دائماً، والمجسم هو الذي يتصور فيه نفخ الروح، حيث يطالب المصور يوم القيامة: بأن ينفخ في صورته الروح، وليس بنافخ فيها أبداً، كما صح في الحديث، ولا يستثنى من ذلك غير “لعب الأطفال” لحاجتهم إليها، ولخلوها من التعظيم للصورة، وعلى ضوء هذا نقول: إن الصور المسطحة تخرج عن التحريم إلى الجواز.
وفي السؤال الذي معنا عدة أمور إضافية، تخفف الحكم في هذه الصيغة خاصة:
الأول: أن “الرسوم الكارتونية” ليست صوراً كاملة، بل هي صور ذات طبيعة خاصة، لا تستجمع كل ملامح الصورة الحقيقية.
والثاني: أنها تستخدم لأغراض دعوية وتربوية وتثقيفية، والأولاد الصغار يُقبلون عليها غاية الإقبال، ويتابعونها، ويتأثرون بها، فينبغي علينا ألا نهمل هذه الوسيلة المحببة، وأن نستخدمها في تعليم الأطفال والمراهقين ما ينبغي أن يتعلموه من العقائد والقيم والمفاهيم.
الثالث: أن الآخرين استخدموا هذه الوسيلة منذ مدة طويلة، وغزونا بها غزواً كاسحاً في التلفزيونات المختلفة في أوطاننا، وغدت هذه المسلسلات الكارتونية هي الغذاء اليومي الشهي لأبنائنا وبناتنا، وقد أدمن الجميع عليه، ولم يعد من السهل فطامهم عنه، إلا بـ “بديل إسلامي” مناسب، يحمل نفس العناصر التعليمية والتشويقية، التي تجذب الأطفال بسهولة.
بل إني أرى أنه من المتعين علينا أن نخوض هذه المعرك الإعلامية الفنية بكل قوة، حتى نسد هذه الثغرة، ونلبي هذه الحاجة الملحة، بأدوات تعبر عن ديننا ورسالتنا وحضارتنا وتقاليدنا، فهذا من فروض الكفاية الواجبة اليوم على الأمة في مجموعها، وعلى أهل الاختصاص القادرين، من أهل الإبداع الأدبي والفني الملتزم، على إنتاج مثل هذه البرامج، أن يسارعوا بها، وعلى غيرهم من أهل السلطان، وأصحاب المال، أن يعينوهم على أداء هذه الرسالة النافعة والضرورية، ورحم الله كل من أسهم في هذا العمل بنصيب، والله أعلم.
العدد (1644)، ص57 – 16 صفر 1426ه – 26/3/2005م