من الصعب رسم صورة المشهد، فالكلمات تعجز عن حجم الألم الذي عايشته الأسيرة المحررة فاطمة الزق في أوجاع حملها، ومخاضها، وميلادها داخل ظلمة سجون الاحتلال.
ورغم أنها كانت حاملاً في شهرها الثاني، فإن ذلك لم يجعل الاحتلال يتردد لحظة واحدة في اعتقالها وتعذيبها، وهي مكبلة على كرسي خلال فترة التحقيق التي تجاوزت 21 يوماً تعرضت خلالها للضرب المُبرح، والصعق الكهربائي، والحرمان من الطعام والشراب، الأمر الذي أصابها بالنزيف، ودون أدنى إنسانية لامرأة تحمل في أحشائها جنيناً.
محاولات قتل الجنين
محاولات قاسية عاشتها فاطمة حينما أراد جنود الاحتلال بكل الطرق قتل جنينها، لكن إرادة الله تعالى كانت أكبر من هذه المحاولات.
التعذيب الذي كان واضحاً على جسد فاطمة والنزيف الحاد لم يحركا ضمير جنود الاحتلال، وهم يضربونها ويصعقونها بالكهرباء.
وبعد تعذيبها تم رميها في زنزانة مظلمة، وهي في حالة نزيف دون الاهتمام بها أو استدعاء طبيب فكانت بحاجة للتداوي، وللكثير من الفيتامينات، والتغذية الصحية بعد حجم النزيف الكبير الذي فقدت به الكثير من الدم لكن دون جدوى.
كانت تحاول أن تستجمع قواها المتهالكة، وهي تستنجد الله تعالى بأن يلطف بها وبجنينها، فكانت رعايته لهما أقوى من حجم المعاناة والتعذيب الذي عايشته.
مخاض خلف القضبان
شهور مضت حتى جاء موعد الولادة، فبدأت مؤشراته قوية، ومع ذلك لم يكن هنالك اهتمام، حيث كانت يداها وقدماها مكبلة، وكانت تحاول تكراراً في طلبها أن يتم فك قيدها من أجل الولادة، وبعد محاولات كثيرة تم فك قيد قدميها فقط وسرعان ما تم قيدهما بعد الولادة مباشرة.
في هذه اللحظة اعتلت صرخات ولادة يوسف الذي عاش معاناة الأسر ليس في يوم ميلاده الأول؛ بل حتى قبل أن يولد.
يوسف سمي بهذا الاسم الجميل تيمناً بالنبي يوسف عليه السلام، فكان وجوده يؤنس دقات قلب والدته، ويرسم لها الأمل بالحرية، خاصة أنها كانت حينما تتلو آيات سورة «يوسف» تحدث قلبها بأن الفرج قريب بإذن الله تعالى، رغم معاناتها التي كبرت معها فهي أسيرة، وأم أسير رضيع.
الأمر كان صعباً عليها حينما لا تجد لديها حليباً تستطيع أن ترضع به طفلها وهو يبكي من الجوع، وكيف للحليب أن يتواجد، وهي بالأصل لا تجد شيئاً تتغذى عليه رغم أنها في أمسّ الحاجة للغذاء.
هذا جعلها تحضر اللبن وتضع فيه فتات الخبز الصغير وإطعامه رغم أنه رضيع صغير، هذا اللبن كان سعره أثقل من حجمه بكثير تشتريه مما يسمى «الكانتينا» بأسعار غالية جداً.
الأسيرة المحررة فاطمة الزق وطفلها يوسف
حرارة قلبها
من المواقف الصعبة التي مرت بها فاطمة حينما ارتفعت حرارة يوسف حيث زاد مؤشر الخطر وأصبح بحاجة ماسة لطبيب وعلاج، الأمر الذي جعلها تحاول أن تطرق بوابة السجن لعلها تجد من يصغي لطرقها لكن بدون جدوى.
وكانت كلما ارتفعت درجة حرارة يوسف أكثر ترتفع معها ناراً تشتعل في قلبها، فما كان منها إلا أن تضعه في ماء وترتل عليه آيات القرآن وتسجد لله عز وجل باكية بأن يحفظ طفلها.
رائحة السمك
مجرد التفكير في الحصول على سمكة ضرب من الخيال، لكن النفس تشتهي طعمها ورائحتها، فحينما تمنت فاطمة تناول السمك وهي تهمس في مسامع رفيقتها بالأسر قامت برسم صورة لها وحرقها فقالت لها: «اشتمي رائحة السمك» فأخذت تذرف الدموع!
هذه الدموع هي دموع القهر والحرمان، فالأسيرات محرومات من أبسط حقوقهن الإنسانية، حيث يقدم لهن طعام خال كلياً من الإنسانية، فهو لا يصلح للبشر، الأمر الذي يجعلهن في وضع صحي سيئ فيه الكثير من الأمراض دون وجود علاج لهن.
صفقة المقاومة
فاطمة كانت ضمن الأسيرات المحكوم عليهن بالمؤبد الذي يشير إلى استحالة تحريرهن، إلا أن إرادة الله تعالى كانت أكبر من ظلم السجان، فتم تحريرها مع 20 أسيرة ضمن صفقة مشرفة أبرمتها اليد الطاهرة للمقاومة الفلسطينية في 30 سبتمبر 2009.
ورغم معاناة الأسر التي ما زالت تعاني منها، فإنها تؤمن بعدالة قضيتها، وأن فلسطين تستحق الكثير ذلك جعلها تحمل على كاهلها قضية الأسر.