من المتوقع إجراء الانتخابات العامة المقبلة في الهند خلال أبريل ومايو 2024م لانتخاب رئيس الوزراء الجديد وأعضاء البرلمان الهندي الذي من المقرر أن تنتهي فترة ولايته في 16 يونيو 2024م.
الانتخابات العامة المقبلة في الهند هي الـ18 في تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1947م، ومن الممكن أن يشارك في الانتخابات العامة أكثر من 900 مليون ناخب مسجل لدى مفوضية الانتخابات، بينهم حوالي 15 مليون ناخب شاب يشاركون في العملية الانتخابية لأول مرة في حياتهم.
سيتم إجراء الانتخابات المقبلة بصورة رئيسة بين حزب الشعب الهندي ذي التوجهات الهندوسية المتطرفة -وهو الحزب الحاكم منذ مايو 2014م- وحزب المؤتمر الهندي ذي التوجهات الليبرالية والعلمانية.
توجد هناك مئات الأحزاب السياسية الإقليمية وبعضها أحزاب قوية، ولكن نفوذها محصور في ولايات معينة، ولها برامج إقليمية محدودة، أو تدور حول بعض العائلات القوية.
وقد وصل حزب الشعب الهندي، الذي يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إلى السلطة في عامي 2014 و2019م بوعود جذابة بالتنمية وتعزيز الصناعات والنهوض بالاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وإحضار الأموال السوداء الهندية المودعة في البنوك الأجنبية وتوزيعها على الهنود، غير أنه فشل –كما يرى المحللون– في إيفاء هذه الوعود؛ فزاد الفقر وكسدت التجارة وأغلقت آلاف المصانع الصغيرة بسبب سياساته الموالية لكبار الرأسماليين.
تكهنات بالفوز
ووردت عدة تقارير في الصحف الهندية ومحللين متخصصين تشير إلى أن حزب رئيس الوزراء مودي سيصل إلى سدة الحكم مرة ثالثة، وفي حال فوز حزب بهارتيا جاناتا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، سيعيد الحزب ترشيح مودي لرئاسة مجلس وزراء الهند من جديد.
ونشرت صحيفة «livemint.com» الهندية تقريراً أفادت فيه بأن مودي ظل الخيار الأول لمنصب رئيس الوزراء في الهند، وفقًا لاستطلاع رأي قامت به صحيفة «India Today» الهندية.
كما أفادت مؤسسة «جيفريز المالية الدولية» (Jefferies) بأن احتمالات إعادة انتخاب مودي في انتخابات عام 2024م تعتبر وجهة نظر سائدة عند الجمهور.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا قد فاز بـ303 مقاعد من أصل 543 في البرلمان بالانتخابات العامة الماضية عام 2019م.
حزب المؤتمر الهندي
ويعتبر حزب المؤتمر الهندي –حزب الكونغرس- أكبر حزب معارض في الهند، ومدة حكمه تزيد على أي حزب آخر.
وقد فاز حزب الكونغرس الهندي في انتخابات المجلس التشريعي التي جرت بولاية كرناتكا جنوبي الهند، في مايو الماضي، بشكل ساحق على حساب حزب بهاراتيا جاناتا، الذي كان يحكم الولاية منذ عام 2019م.
وتعد نتائج هذه الانتخابات الإقليمية، حسب مراقبين، مؤشراً لما قد يحدث في الانتخابات الهندية العامة المقبلة.
كما تعكس نتائج انتخابات ولاية كرناتكا رفضاً واضحاً لسياسة الكراهية، حيث علّق زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي قائلاً: إن النتائج تؤكد أن شعب كرناتكا يكره سياسة الحقد والكراهية التي يتبعها بهاراتيا جاناتا.
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات الإقليمية في 5 ولايات أخرى، منها: تشاتيش غره ومادهيا براديش وميزورام وراجستهان وتيلانجانا في نهاية العام الجاري، ونتائجها سوف تكون بوصلة للانتخابات العامة المقبلة.
ومن المتوقع أن يحصل حزب الكونغرس على مقاعد أكثر في انتخابات المجالس التشريعية بهذه الانتخابات؛ الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه أداء أفضل من قبل الحزب في الانتخابات العامة المقبلة.
وهناك جهود من قبل زعماء الأحزاب السياسية المعارضة لإنشاء تكتل موحد ضد الحزب الحاكم، وإن اتحاد هذه الأحزاب يمكن أن يغير قواعد اللعبة في سيناريو السياسة الهندية القادم.
أجندة الأحزاب في الانتخابات
يرى المحللون أن حزب بهارتيا جاناتا الحاكم يلجأ إلى سياسة «الهندوتفا» (Hindutva) المستندة إلى تراث الديانة والقومية الهندوسية وإثارة قضايا دينية واجتماعية، منها تهميش المسلمين وإنهاء حصتهم في الوظائف والتعليم وتنفيذ القانون المدني الموحد (UCC)، بالإضافة إلى وعود التنمية والنهوض بالاقتصاد ورفاهية الفقراء والفلاحين، إضافة إلى التخطيط لكسب مؤسسات إعلامية وتسخيرها لزيادة شعبيته وترويج مبادراته وخططه.
أما منظمة “آر إس إس” اليمينية التي تشرف على الحزب الحاكم، كانت تتطلع إلى 3 قضايا أساسية؛ هي: إلغاء المادة (370) من إقليم جامو وكشمير، وبناء معبد راما في مدينة أيودهيا على أنقاض المسجد البابري، وتنفيذ القانون المدني الموحد، ولم يبق سوى الأخير للتنفيذ على أرض الواقع.
بينما يطرح حزب الكونغرس القضايا الاقتصادية والوظائف وكشف فشل الحكومة الحالية والرفاهية لجميع طبقات المجتمع، بالإضافة إلى إرساء أسس الديمقراطية العلمانية التي تهددها الحكومة الحالية، حسب تعبيره.
ومن الجدير ذكره بأن حزب الكونغرس وعد بفرض حظر على «منظمة باجرانغ دال» المتطرفة في انتخابات ولاية كرناتكا؛ الأمر الذي أدى إلى ضجة كبيرة في الأوساط السياسية الهندية.
كما وعد حزب الكونغرس برفاهية الفقراء والفلاحين والنساء والطبقات المهمشة من المجتمع، وركز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية الإقليمية في انتخابات ولاية كرناتكا، ما أدى إلى فوز الحزب، الخطوة التي من المتوقع أن يحذو الحزب حذوها في الانتخابات المقبلة.
من سيكون رئيس الوزراء الجديد؟
وإذا فاز حزب الكونغرس مع الحلفاء والأحزاب المعارضة في الانتخابات العامة المقبلة؛ فسينشب خلاف وجدل كبير للترشيح لتولي منصب رئيس الوزراء الهندي، وهناك إمكانية ولو ضئيلة أن زعيم حزب الكونغرس راهول غاندي قد يتولى هذا المنصب في المستقبل.
ولكن إذا فاز حزب الشعب الهندي في الانتخابات فسيكون مودي، رئيس الوزراء الحالي، مرشحاً بدون منافس لتولي المنصب من جديد، ويرجع هذا الاختيار إلى عدة أسباب، منها:
1- نجاحه في جميع الانتخابات التي خاض فيها حتى الآن من رئاسة وزراء ولاية غوجرات إلى رئاسة وزراء الهند.
2- إحراز تقدم ملموس من خلال سياساته ومبادراته في السلطة في المجالات المختلفة بما فيها التجارة والاقتصاد والطاقة والفضاء ورقمنة جميع القطاعات.
3- الحفاظ على السياسات المتوازنة على المستوى الدولي والقضايا العالمية، بما فيها التوازن السياسي، وموقف الهند المتوازن تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، رغم الضغوط من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
4- شعبيته وقبوله الواسع من الخارج في الدول الصديقة والمؤثرة إقليمياً ودولياً، وكذلك شعبيته في أوساط الهنادك المتطرفين؛ حيث يعتبرونه زعيماً بدون منافس يعيد مجدهم الديني وتراثهم الثقافي إلى مركز السلطة.
ومن المعلوم بأن شعبية مودي زادت إثر مجزرة غوجرات التي أدت إلى مقتل مئات من المسلمين حيث كان رئيس وزراء الولاية آنذاك ويتهم بإشرافه على المجزرة بشكل غير مباشر.
وهناك تكهنات بأن حزب بهارتيا جاناتا إذا فشل في انتخابات المجالس التشريعية المقبلة في عدة ولايات مما يشير إلى تضاؤل شعبية الحزب في هذه المناطق؛ وذلك من شأنه أن يعجل إجراء الانتخابات العامة إلى أواخر العام 2023م أو في الربع الأول من عام 2024م، ويرجع القرار إلى مفوضية الانتخابات.
وكذلك، فإن انتخابات المجالس التشريعية في عدة ولايات في نهاية العام الجاري سوف تكون بمثابة إشارات أكثر واقعية للانتخابات العامة.