عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ».
ونحن لا ندري على أي شيء نشكر غزة وأبطال المقاومة، فلقد كثر خيرهم، وزاد علينا فضلهم، ومن واجبنا أن نشكرهم وإن كانوا لم يطلبوا ولم يحبوا ذلك، لكنَّه حقهم علينا.
شكرًا فلقد علمتمونا معنى العزة والإباء، وأعدتم لنا ذاكرة الاعتزاز بالإسلام وحب الهوية الإسلامية، وأهمية حب الكرامة والإباء، والتوق للحرية ونبذ العبودية والذل.
شكرًا فلقد أحييتم فينا روح الجهاد في سبيل الله تعالى، بعد أن ظَنَنَّا بأن الحل في الاستسلام، وقبول ما يمليه لنا عدونا، والرضا بالفتات مقابل العيش، وكنا قد نسينا ما يسمى بالجهاد، فأنتم علمتمونا أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ففي حديث معاذ رضي الله عن.. ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»، اليوم تذكرنا هذا الحديث بعدما علمتمونا إياه عمليًا، فصارت نفوسنا تتوق إليه، ورجعنا لجمال ماضينا لنقول: لا حل لمشكلاتنا إلا بالجهاد في سبيل الله، وندعو الله أن يفتح لنا باب الجهاد في سبيله، فهو خير تجارة للعبد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف).
شكرًا فلقد حببتم لنا الشهادة في سبيل الله تعالى، بعد أن كنا نخاف الموت، ونفر منه فرار الحمر المستنفرة فرت من قسورة، فلما رأينا شبابكم وأبطالكم يتهافتون عليه، بل رأينا نساءكم وأطفالكم لا يخافون منه، بل يتمنونه في سبيل الله، هانت علينا نفوسنا، ولما رأينا شهداءكم مبتسمين ووجوههم منيرة، علمنا أنهم أحياء عند ربهم، قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169)، علمنا أن خير الموت موت الشهادة في سبيل الله، ولما رأينا النساء البطلات تودع الواحدة منهن ابنها وتتمنى الشهادة لإخوته، أو تودع كل بنيها راضية مبتسمة، احتقرنا أنفسنا لما كنا نخاف الموت علينا وعلى أبنائنا، واليوم نحن نتوق للشهادة في سبيل الله مقبلين بإذن الله غير مدبرين.
شكرًا فلقد أوضحتم لنا السبيل، وكشفتم لنا الحقائق، وبينتم زيف التطبيع والمطبعين، وعرفنا مَنْ مِنَ المسلمين مع قضيتنا، ومن منهم وقف في خندق العدو فصار منهم، من يوالينا وينصرنا ومن يواليهم وينصرهم، وعرفنا من يتشدق بنصرتنا وهو كذوب، ومن يتاجر بقضيتنا وهو لعوب، ومن لا يهتم بالقضية أصلًا، ومن صاحب اللحية وهو على حق ممن لحيته لركبته على زيف وضلال، من يحبنا ومن يعادينا، ومن يحكمنا ومن يحاكمنا، ومن يقضي لنا ومن يحب أن يقضي علينا.
شكرًا فلقد كشفتم زيف العالم الذي يدعي الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، الذي ظهر أن الإنسان عندهم هو الإنسان منهم وفقط، كشفتم من يتستر وراء الشعارات فلما جاءت لحظة الجد هرول لاهثًا لنصرة المجرمين والوقوف في خندق النازيين والفاشيين، فجاء ببارجاته وسفنه وطائراته، بل يغامر بجنوده ورجالاته، نجدة لمن خشي عليهم اليوم انهيارًا، بعد أن تحطمت معنوياتهم لما رأوا دماءهم أنهارًا، من جاؤوا يقدمون للكيان القرابين، ويعترفون له بخدمتهم طوال السنين، كشفتم أن أمريكا هي راعية الإجرام، ولا تعرف شيئًا عن العدل والحق والسلام، فضحتم مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، ومجلس التعاون الَّلا إسلامي، وجامعة الدول الَّلا عربية، ومنظمات الزيف والضلال، وهيئات الخراب.
شكرًا للمقاومة الفلسطينية فلقد أكحلتم أعيننا برؤية قطعان الصهاينة يفرون مولولين خائفين، ورأينا جثث جنود الاحتلال ملقاة على الأرض كجيف الثعالب والكلاب، ورأينا الأسرى وهم يُجَرُّون بالسلاسل نحو الأسر، ورأينا آلاف المستوطنين مكدسين بالمطارات ينتظرون الفرار بأنفسهم، ورأينا رئيس وزراء الكيان يلطم ويستغيث ويندب حظه، الله أكبر الله أكبر، شكرًا وألف شكرًا يا رجال المقاومة على أن أريتمونا ذلك.
شكرًا يا أهل غزة فلقد علمتمونا الصبر العملي، بعد أن كنا نظن بأن الصبر كتابٌ يُقْرَأ وآيةٌ تُتْلَى على مسامعنا، فأظهرتم لنا أن الصبر خلاف ذلك بكثير، فالصبر هو الرضا بفقد الولد والوالد والزوج والأخ، وتوديعهم للجنان بسعادة واطمئنان، شكرًا وأنتم تشرحون لنا الآيات بصمت، لكنه خير من ألف مفسر أو مؤول، قال ربنا: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ {154} وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة)، فلقد لمسنا صلوات الله عليكم ورحمته تغشاكم، رأيناها حقًا وأنتم تحسون بردها في قلوبكم.
شكرًا على تعليمكم إيانا أن نثق في موعود الله، وأن نحسن تصديق ما أخبرنا به، فقد قال سبحانه تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39)، وقال سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، وقال ربنا: (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة: 23)، فجعلتموها شعاركم، وخضتموها بيقين وثقة في ربكم، فدخلتم عليهم الباب حقًا، ففتح الله عليكم وغلبتموهم كما وعدكم، فما أصدقكم مع الله، وما أجمل رؤيتكم لنصر الله تعالى.
شكرًا أبطال المقاومة.