الشاعر لسان أهله وبيئته، يعبر عنهم، ويمثلهم ويتغنى بتاريخهم واهتماماتهم، ولكننا اليوم أمام شاعر من طراز فريد، شاعر مقاوم شهيد طبيب، قائد صرخ قبل استشهاده بأيام حين سألوه: ألا تخاف الموت؟! فقال كلمته الشهيرة: «المرء قد يموت بالسكتة القلبية وقد يموت بالأباتشي، وأنا أفضل الأباتشي»!
والقصيدة التي بين أيدينا أكثر عمقاً من مجرد خيالات شاعر أو كنايات أديب، وإنما فلسفة كاملة لما عليه نفسية المقاوم وما يحدثه به ضميره ويوصيه بالتراجع وعدم تحمل هذه المشاق؛ حرصاً على النفس والأهل والأولاد، لكن الإيمان العميق كان له رأي آخر.
ماذا دهاك يطيب عيشك في الحزن
تشري النعيم وتمتطي صهو الصعاب؟
ماذا عليك إذا غدوت بلا وطن
ونعمت رغد العيش في ظل الشباب؟
*************
يا هذه يهديك ربك فارجعي
القدس تصرخ تستغيثك فاسمعي
والجنب مني بات يجفو مضجعي
فالموت خير من حياة الخنع
ولذا فشدي همتي وتشجعي
*************
ها أنت ترسف في القيود بلا ثمن
وغدا تموت وتنتهي تحت التراب
وبنيك واعجبى ستتركهم لمن
والزوج تسلمها فتنهشها الذئاب
*************
القيد يظهر دعوتي يوماً
وإذا قتلت ففي إلهي مصرعي
والزوج والأبناء مذ كانوا معي
في حفظ ربي لا تثيري مدمعي
وعلى البلاء تصبري لا تجزعي
*************
إني أخاف عليك أن تنفى غداً
ويصير بيتك خاوياً يشكو الخراب
وتهيم بحثاً عن خليل مؤتمن
يبكي لحالك أو يشاطرك العذاب
*************
إن تصبري يا نفس حقاً ترفعي
في جنة الرحمن خير المرتع
إن الحياة وإن تطل يأت النعي
فإلى الزوال مآلها لا تطمعي
إلا بنيل شهادة فتشفعي
*************
إني أراك نذرت نفس للمحن
وزهدت في دنيا الثعالب والكلاب
وعشقت رمساً يحتويك بلا كفن
فرجوت ربي أن تكون على صواب
*************
أنا لن أبيت منكساً للألمع
وعلى الزناد يظل دوماً أصبعي
ولئن كرهت البذل نفسي تصفعي
من كل خوار ومحتال دعي
وإذا بذلت الغال مجداً تصنعي
*************
إني أعيذك أن تذل إلى وثن
أو أن يعود السيف في غمد الجراب
فاقض الحياة كما تحب فلا ولن
أرضى حياة لا تظللها الحراب