أجرت حكومة غزة التي ترأستها حركة «حماس» في عام 2013م تعديلات على كتاب التربية الوطنية على مستوى المصطلحات ووحدات دراسية جديدة تناولت «المقاومة وتحرير فلسطين»؛ الأمر الذي رفضته وزارة التربية والتعليم في رام الله، واعتبرته خطوة فرديّة، حيث تخضع المناهج الفلسطينيّة لرقابة دوليّة(1) بناء على اتفاقية «أوسلو»، مع العلم أن حركة «حماس» في غزة كانت بدأت التخطيط والعمل منذ العام 2009م على تعزيز ثقافة المقاومة في مناهجها التربوية التعليمية، وأنشطتها الصيفية في المحاضن الدينية والثقافيّة؛ من مراكز تحفيظ القرآن الكريم، المساجد، الأندية الثقافيّة والرياضية، وتعزيز خطاب إعلاميّ مُوجّه عبر المؤسسات الإعلامية.
والهدف المنشود تحقيق ثقافة وطنية شاملة تقوم على تعزيز مفاهيم ثقافة المقاومة والتحرير، ومواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» في حربه الثقافيّة ضد القضية الفلسطينيّة، وهذا ما أشار إليه وزير الثقافة السابق د. أسامة العيسوي(2): وضعت وزارة الثقافة نصب أعينِها العملَ على وضع نهضة ثقافيّة شاملة تحت مظلة العِزّة، وأشار إلى أنّه حينما تذكر فلسطين تُذكر المقاومة، وحينما تُذكر المقاومة تُذكر فلسطين.
بدوره أكد د. عبدالخالق العف(3)، مستشار وزير الثقافة الفلسطيني أن ثقافة المقاومة شجرة مباركة أينعت، والفرقان أغصان نصر بفضل من الله تعالى، وقال: قد تكون كلمة أقوى من رصاصة، فما أجمل أن تتعانق قذائف الحق مع رصاص المقاومة، وأن تجتمع الجهود بالتّمسك بالثوابت الوطنية.
ومن الخطوات العمليّة لتعزيز ثقافة المقاومة في قطاع غزة على المستوى التربوي والثقافي وآثارها في معركة «طوفان الأقصى»:
1- تعديل في المنهج الفلسطيني، مثال ذلك: كتاب التربية الوطنية للمرحلة المتوسطة بحيث يُهيئ لتخريج جيل مقاوم، من خلال الأنشطة المدرسية المميزة المرتبطة بمعالم فلسطين، وندوات مقدسيّة تتناول موضوع القدس والمسجد الأقصى، وأنشطة الطلائع (الفتوة) للفتيان في العطلة الصيفيّة، مع إعداد المعلم صاحب الرسالة الذي يحمل قضية المقاومة، وتهيئة دور لمراكز التحفيظ كالتي خرّجت «كتيبة الحفاظ»، والاهتمام بالدروس المسجديّة لتوجيه المفاهيم الجهادية وتأصيلها سلوكًا وفقهًا وتطبيقًا.
ومن آثارها المباركة في معركة «طوفان الأقصى» صناعة جيل مقاوم مُقبل غير مدبر، كسر معادلة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، المترسخة لدى جيوش الأمة وشعوبها منذ عقود طويلة من الصراع، هذا الجيل حقّق إنجازات نوعيّة في المعركة، أبهرت الخبراء والمحللين العسكريين، وأعاد للأمّة مجدداً ذكريات الفاتحين من أبطال القادة في تراثنا الإسلامي.
2- تفعيل المؤسسات الثقافية ثقافة المقاومة، بتقديم الدعم التربوي والنفسي، لتنمية شخصية الطلاب من جميع الجوانب، وتشجيع الدراسات والأبحاث الفكريّة التي تبرز قضية فلسطين، مع تفعيل دور المكتبات التي تشجع فكر المقاومة وتفضح الكيان الصهيوني.
وقيام النقابات المهنيّة بتخريج شخصيّات وطنيّة لتصبح أعلامًا للعمل المقاوم، وتفعيل الأدوات الثقافيّة والتقنيات الفنيّة (كالسينما والمسرح والإنترنت وغيرها) لإنتاج ثقافة فلسطينية تعبر عن الشخصية الفلسطينية في ضوء الأولويات التي يحددها المجتمع الفلسطيني، ونشرها داخليًا وخارجيًا لإزاحة الثقافات الوافدة من مواقع التأثير السالب.
ومن آثارها المباركة في معركة «طوفان الأقصى» إيجاد الحاضنة الشعبيّة الداعمة للمقاومة، رغم قسوة المعركة وحجم الدمار، والآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.
3- إنشاء الفصائل والأحزاب دوائر ثقافية داخل مؤسساتها، رأس أولوياتها دعم ثقافة المقاومة.
ومن آثارها المباركة في معركة «طوفان الأقصى» الوحدة الوطنيّة في الميدان على الصعد والمستويات كافّة، والتكافل والتراحم في مشهد وحدويّ لمجتمع مقاوم مرابط ثابت، مع موقف سياسي داعم لكل قرارات المقاومة في الميدان العسكري وفي عمليّة التفاوض السياسي.
وفي السياق نفسه، وإدراكاً للنجاحات التي تحققت في تعزيز الثقافة المقاومة على مستوى الطالب والمجتمع الغزي، وآثارها في معركة «طوفان الأقصى» طلب الدبلوماسي «الإسرائيلي» السابق داني دانون(4) في رؤيته لما بعد حرب غزة التي تشمل 5 أفكار تتمحور حول ضمان أمن «إسرائيل»، ومنع حدوث 7 أكتوبر جديد، ومن أبرزها: التشدّد في مراقبة المنهج التعليمي الفلسطيني، وادعى أن رؤيته هذه ستسمح لسكان غزة ببناء مستقبل جديد «لا يحدده الإرهاب والكراهية«.
_______________________
(1) مؤسسة «مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» لمراجعه المناهج الفلسطينية بإشراف الكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي، وخلصت في تقريرها المكون من 70 صفحة إلى أنّ هناك تحريضًا في الكتب الدراسية الفلسطينية، خاصه في منهاج عام 2018 و2019م، وهو يلغي عمداً أي ذكر لتعليم السلام وأي إشارة لوجود يهودي في فلسطين قبل عام 1948م.
وأضاف التقرير أن هناك إدخالاً بشكل منهجي للعنف مثل الحديث عن الشهادة والجهاد في جميع الصفوف وكذلك تبني طيف واسع لأفكار القومية المتطرفة مثل اعتبار فلسطين جزءًا من الوطن العربي، وأفكار إسلامية متطرفة تصل حتى إلى أمثلة في العلوم والرياضيات.
(2) كلمة للوزير في مؤتمر «تعزيز ثقافة المقاومة»، قطاع غزة، 2009.
(3) رئيس منتدى أمجاد الثقافي، عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، عضو مجمع اللغة العربية- القدس، أمين سر اللجنة الوطنية العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية 2009م.
(4) شغل منصب الممثّل الدائم السابع عشر لـ«إسرائيل» لدى الأمم المتحدة، العضو الحالي البارز في حزب الليكود وفي الكنيست.