في كوكبة من القلق والتحركات الحكومية، تتجدّد الأزمة في دولة الكويت مع اقتراب فصل الصيف الحار، حيث تعاني من مشكلات جسيمة في قطاع الطاقة الكهربائية، فقد شهد الصيف الماضي تسجيل رقم قياسي جديد لمؤشر الأحمال الكهربائية؛ مما يضع الحكومة في موقف تحدٍّ لإيجاد حلول فورية لتفادي تكرار هذه الأزمة المتجددة.
في أغسطس الماضي، سجل مؤشر الأحمال الكهربائية رقمًا قياسيًا جديدًا في تاريخ الكويت، حيث وصل إلى 16.5 ألف ميغاواط، مما دفع الحكومة إلى بذل جهودها لإيجاد حلول فعّالة لتفادي تكرار هذه الأزمة في المستقبل، ومن المتوقع أن تزداد حدة أزمة الكهرباء في عام 2026 إذا لم يتم التصدي لها بحلول سريعة، حيث من المُتوقع أن يصل العجز إلى 1.141 ميغاواط.
أسباب انقطاع الكهرباء
أسباب انقطاع التيار الكهربائي في الكويت متعددة، ومن بينها ارتفاع معدل الاستهلاك وزيادته المستمرة بمعدل يبلغ نحو 4.8% سنوياً، حيث يصل إنتاج الكهرباء لهذا العام إلى 17.477 ميغاواط، بينما من المتوقع أن يصل الاستهلاك إلى 17.753 ميغاواط، مما يشير إلى وجود نقص متوقع يصل إلى 276 ميغاواط.
وفقًا لما نقلته صحيفة «الراي» عن مصادر مطلعة في وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، من المتوقع استمرار أزمة نقص الطاقة حتى عام 2025م، حيث يتوقع أن يصل العجز إلى 528 ميغاواط.
وتشير التوقعات إلى أن معدل الإنتاج سيبلغ 18.077 ميغاواط، بينما سيصل معدل الاستهلاك إلى 18.605 ميغاواط، ويعتبر التأخر الحكومي في تنفيذ مشاريع زيادة القدرة الإنتاجية أحد الأسباب الرئيسة لهذه الأزمة، إلى جانب الأعطال التي تصيب محطات التوليد، ولا يمكن تجاهل أهمية أحداث مثل خروج محطة التحويل الرئيسة «عبد الله السالم» عن الخدمة في سبتمبر الماضي، الذي تسبب في انقطاع التيار عن 5 مناطق.
3 محطات جديدة لتوليد الكهرباء
وتكثف الكويت حاليًا جهودها لتجنب الأزمة الكهربائية من خلال تنفيذ إجراءات متعددة، بما في ذلك تفعيل خطة الترشيد عبر جميع القطاعات، والتعاون في شراء أو تبادل الطاقة مع دول منظومة الربط الكهربائي الخليجي، إلى جانب توقيع عقود لصيانة محطات التوليد، وتنفيذ الخطة الخمسية للفترة من عام 2024 إلى 2029م.
في إطار هذه الخطة، أعلنت وزارة الكهرباء الكويتية، في أكتوبر الماضي، عن إنشاء 3 محطات جديدة لتوليد الكهرباء وتقطير المياه، بما في ذلك «محطة الزور الشمالية مراحل الثانية والثالثة»، و«الخيران»، و«الشقايا»، التي من المقرر أن تنتج 9 آلاف ميغاواط، مع التخطيط لبدء التشغيل التجاري لها اعتبارًا من عام 2027م.
وفي ديسمبر 2023م، وافق الجهاز المركزي للمناقصات العامة على ترسية عقود لصيانة المعدات الميكانيكية في 6 محطات لتوليد الكهرباء وتقطير المياه، بتكلفة إجمالية قدرها 78.5 مليون دينار (253.3 مليون دولار).
التوجه نحو عُمان
وقد شكلت الحكومة لجنة لدراسة التوصيات المتعلقة بمعالجة نقص الطاقة الكهربائية، ومن المتوقع أن تقدم هذه اللجنة تقريرها لوزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، سالم الحجرف، في وقت قريب.
تتجه الكويت نحو عُمان كجزء من إستراتيجيتها لمواجهة تحديات الصيف المقبل، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في استهلاك الطاقة، كشفت مصادر كويتية عن نية وزارة الكهرباء في شراء الطاقة من عُمان.
وعلى الرغم من عدم التوصل بعد إلى اتفاق مع دول منظومة الربط الكهربائي الخليجية حول مصادر الطاقة، أشارت مصادر حكومية إلى أن الاستعانة بعُمان قد تكون الخيار الأنسب والأقرب للتنفيذ، حسبما ذكرت صحيفة «الراي» مؤخرًا.
لماذا تلجأ الكويت إلى عُمان؟
يثير هذا السؤال اهتمام الأوساط المحلية، حيث تبوح الكويت بتفضيلها لعُمان كشريك للتعامل مع أزمة الكهرباء، يُعيد هذا الاهتمام للأذهان الحادثة التي وقعت في سبتمبر 2022م، حينما قدمت الكويت 100 ميغاواط من الكهرباء لعمان عبر شبكة الربط الخليجي لمدة ساعة كاملة، بعدما تعرضت شبكة الكهرباء في السلطنة لخلل في ذلك الوقت.
وفقًا لتحليل الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان، تتمتع عُمان بفائض في الطاقة، وتتميز بدرجات حرارة أقل من تلك التي تشهدها الكويت، حيث تُعتبر الكويت واحدة من أكثر المناطق حرارة في منطقة الخليج بشكل عام، هذا يجعل الكويت أكثر استهلاكًا لأجهزة التبريد والتكييف، وفقًا لما ذكره رمضان في تصريحات لصحيفة «العربي الجديد».
ويُشير رمضان إلى أن الافتتاح الأخير لمشروع مصفاة الدقم له علاقة غير مباشرة بمشروع الربط الكهربائي بين الكويت وعُمان، حيث يتم توليد الكهرباء من خلال توربينات تعمل بمشتقات التكرير النفطي التي تنتجها المصفاة، هذا يوضح أن التعاون الإستراتيجي بين البلدين في مشروع الدقم يتجاوز إنتاج المشتقات النفطية إلى مجالات أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز الاتفاقيات الثنائية بين الكويت وعُمان التفضيل للسلطنة كشريك مفضل للكويت في هذا السياق.
حلول سريعة لأزمة الكهرباء
مع التحرك الحكومي الجاد لمعالجة أزمة الكهرباء، أبدت مصادر مطلعة لصحيفة «القبس» الكويتية تحذيراً من تفاقم الأوضاع إذا لم تُتخذ إجراءات فورية واستثنائية.
وقدمت تلك المصادر مجموعة من الحلول السريعة إلى وزارة الكهرباء، تتضمن إنشاء محطات للطاقة الشمسية تنفذ خلال سنتين، وإقامة وحدات غازية ذات تنفيذ سريع خلال أشهر قليلة، بالإضافة إلى توفير بطاريات طاقة بسعة تصل إلى 500 ميغاواط أو أكثر لتشغيلها في ساعات الذروة.
كما تم تقديم فكرة الاعتماد على سفن مجهزة بمحطات توليد جاهزة للتشغيل والربط، قادرة على تأمين أكثر من 900 ميغاواط خلال 3 أشهر، على الرغم من عدم اتخاذ أي قرار حكومي حتى الآن بشأن هذه الاقتراحات.
مكان الطاقة الشمسية
تسلط الأزمة الحالية الضوء على مشاريع الطاقة المتجددة في الكويت، التي تتلقى إشعاعًا شمسيًا كبيرًا نظرًا لموقعها الجغرافي، هذا يؤكد أهمية استغلال الطاقة الشمسية لتفادي أزمة انقطاع الكهرباء.
وفي أكتوبر 2023م، قام 5 نواب بتقديم اقتراح لاستخدام الطاقة الشمسية في المباني الحديثة لتفادي أزمة انقطاع الكهرباء.
على الرغم من وجود رؤية وطنية تستهدف إنتاج ما لا يقل عن 15% من استهلاك الكهرباء للدولة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035م، فإن سوق الطاقة الشمسية في الكويت لم ينمُ بالشكل المطلوب، ولم تطور الحكومة المبادرات لتعزيز هذا القطاع.
ووفقًا لوكالة «Mordor Intelligence» المتخصصة في تتبع الأسواق العقارية والصناعات، فإن هناك عدة أسباب تؤدي إلى تعثر سوق الطاقة الشمسية في الكويت، بما في ذلك تأثير فيروس كورونا الذي أدى إلى إغلاق أجزاء من البلاد، مما أبطأ من تقدم المشاريع المستمرة أو المقررة للتنفيذ.
وعلى الرغم من توقعات الوكالة بأن يحقق سوق الطاقة الشمسية في الكويت معدل نمو سنوي مركباً يتجاوز 7% خلال الفترة من عام 2024 إلى 2029م، فإنها تقدر أن النقص في السياسات والبرامج الحكومية قد يقيد السوق خلال هذه الفترة.