خلال شهر رمضان المبارك، تتحول المساجد في اليمن إلى ينابيع إيمانية تصب في قلوب المؤمنين السكينة والرحمة، ففي رحابها، يقبل اليمنيون على حفظ القرآن الكريم وتجويده، باحثين عن الأجر والثواب من الله تعالى، وتقام حلقات مصغرة للقراءة والتلاوة في كل مسجد، يتناوب فيها المشاركون على القراءة والتصحيح، فتصبح المساجد مراكز للإشعاع الدينيِ، تنشر القيم الإسلامية في كل مكان، ليصبح اليمن بأكمله ساحة إيمانية ينيرها نور القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك.
وفي جنبات المساجد، يتردد صدى أصوات الأطفال والشباب، وهم يتلون آيات القرآن الكريم، حيث يحرص الكثير من اليمنيين على إلحاق أبنائهم بالحلقات العلمية التي تقام في المساجد خلال شهر رمضان، بهدف تعليمهم تجويد القرآن الكريم، ودراسة الفقه الإسلامي واللغة العربية، وتقام هذه الحلقات في أوقات مختلفة من اليوم، لتناسب جميع الأعمار والفئات.
رحلة إيمانية
وتشكل حلقات الحفظ والتلاوة، والمسابقات القرآنية، والحلقات العلمية، رحلات إيمانية تثمر جيلاً متمسكاً بالقيم الإسلامية والأخلاق الحميدة، ففي هذه الرحلات، يتعلم الشباب معنى المسؤولية، وينمون مهاراتهم في التلاوة والحفظ، ويعمقون صلتهم بالله تعالى.
وفي رمضان، تصبح المساجد أشبه بخلية نحل ينشط فيها حفظة القرآن الكريم وتجويده، ليتعلموا علومه ويتدبروا آياته، ومع دخول العشر الأواخر من الشهر الفضيل، يزداد الترقب لمعرفة من نال شرف الفوز في مسابقات الحفظ والتلاوة.
ولا يقتصر نشاط المساجد في رمضان على الحفظ والتجويد فقط، بل تقام فيها أيضاً العديد من المسابقات الثقافية والدينية، التي تشعل روح التنافس بين المؤمنين وتعزز البهجة والسرور بين الحضور.
ويحرص مشرفو المساجد على إقامة برامج تعليمية ثرية خلال الشهر الفضيل، تهدف إلى تعليم الأطفال والشباب علوم القرآن الكريم وتجويده، وتشمل دروساً في أحكام التجويد، وتفسير القرآن الكريم، وفقه السيرة النبوية.
ويشارك أكثر من 300 طفل وصبيّ في حلقات تعلم القرآن الكريم (حفظاً وتلاوة) في كل مسجد من المساجد الكبرى في المدينة الواحدة كمسجد العادل في مدينة إنما السكنية في عدن، بينما يبدأ الأطفال دون سن العاشرة بتعلم الأبجدية والتلقين، وهي الخطوة الأولى لتلاوة القرآن بشكل صحيح.
وتتنوع الفعاليات التي تقام في المساجد خلال شهر رمضان لتناسب جميع الأعمار، فنجد حلقة الخير لكبار السن، ومسابقة درس أسماء الله الحسنى بعد صلاة العصر، وبرامج ختم القرآن مع مجموعة من الأصوات المتميزة بعد صلاة التراويح، وحلقات قرآنية، وبرامج تربوية، ومسابقات لكافة الفئات العمرية (ذكوراً وإناثاً).
ومع دخول العشر الأواخر من رمضان، تبدأ عملية تكريم المتفوقين في الحفظ والتلاوة والمسابقات الثقافية والرياضية، وذلك تشجيعاً للجميع على المثابرة والتفوق.
وتخرج المساجد العشرات من حفاظ كتاب الله سنوياً، وذلك بفضل البرامج والفعاليات التي تقام خلال شهر رمضان، وهو إنجاز يشكل مصدر فخر واعتزاز للمسلمين في اليمن.
تعد حلقات تعلم القرآن الكريم، خاصة تلك التي تقام في شهر رمضان، فرصة مهمة لحفظ الأطفال والشباب للمصحف الشريف كاملاً.
حلقات علمية
ويظهر الكثير من اليمنيين خلال شهر رمضان اهتماماً كبيراً بإلحاق أبنائهم بالحلقات العلمية داخل المساجد والمراكز الثقافية، ففي هذا الشهر الفضيل، تصبح هذه الحلقات منارة للعلم والمعرفة، حيث يتعلم الطلاب تجويد القرآن الكريم، ودراسة الفقه الإسلامي، واللغة العربية.
ولا يقتصر هذا الاهتمام على سكان المدن فقط، بل يلحق اليمنيون أبناءهم بالحلقات الدينية حتى في المناطق الريفية، على الرغم من المسافات البعيدة بين مساكنهم في الضواحي ومراكز التعليم، ويساهم تزامن العطلة الصيفية مع شهر رمضان المبارك في إتاحة الفرصة للأطفال للاستفادة من هذه الحلقات.
ويحرص الآباء بشكل خاص في شهر رمضان على حضور أبنائهم الحلقات الدينية لتحفيظ القرآن الكريم، مع التركيز على الحفظ والتجويد، ويضاف إلى ذلك تعلم أبجديات القراءة والكتابة وعلم التجويد، بهدف تأهيل الطلاب ليكونوا خطباء ماهرين.
ويستخدم في تعليم الأطفال مختلف الطرق والأساليب البسيطة والمتنوعة، من بينِها ما يعرف بـ«القاعدة البغدادية» التي تعتبر منهجاً خاصاً بالقراءة والكتابة للمبتدئين، التي تعتمد على دراسة الحروف الأبجدية وتسميع القرآن وتعليم الهجاء.
وتبذل المراكز التعليمية الدينية الأهلية في اليمن جهوداً ذاتية لإنقاذ الأطفال من تأثيرات التقنيات الحديثة، وذلك من خلال توفير بيئة تعليمية تركز على القيم والأخلاق الإسلامية، وتساهم في تنشئة جيل متسلح بالعلم والمعرفة والأخلاق الفاضلة.
وتشكل هذه الحلقات العلمية فرصة مهمة لنشر الوعي الديني وتعزيز القيم الإسلامية بين أفراد المجتمع اليمني، كما تساهم في تنمية مهارات الأطفال والشباب وتحفزهم على الإبداع في مختلف المجالات.
مسابقات قرآنية
ويشكل شهر رمضان في اليمن فرصة مهمة لتعزيز الارتباط بالقرآن الكريم ونشر تعاليمه السمحة بين أفراد المجتمع، وتساهم الفعاليات المختلفة التي تقام خلال هذا الشهر الفضيل في ترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية، وتشجع على حفظ القرآن الكريم وتجويده.
وتمثل المسابقات القرآنية التي تقام في مختلف أنحاء اليمن حافزاً كبيراً للطلاب والشباب على الإقبال على حفظ القرآن الكريم وتجويده، كما تساهم في إبراز مواهبهم وإبداعاتهم في هذا المجال.
ويعد تكريم الحفاظ والفائزين في هذه المسابقات تعبيراً عن تقدير المجتمع اليمنيِ للقرآن الكريم ولحفاظه، كما يشجع على بذل المزيد من الجهود في سبيل نشر تعاليمه السمحة.
وتؤكد هذه الفعاليات أهمية دور المؤسسات الدينية في نشر الوعي الديني وتعزيز القيم والأخلاق الإسلامية بين أفراد المجتمع، كما تساهم في تنمية مهارات الأطفال والشباب وتحفزهم على الإبداع في مختلف المجالات.