على الرغم من التغيرات الكبيرة التي حدثت للأمة الإسلامية، والتحديات التي تواجهها من زلزلة كيانها وقيَمها الإسلامية؛ فإن المسلمين في القارة الأفريقية لا يزالون يحتفظون بعادات إسلامية فريدة وتقاليد دينية متوارثة، ويتمسكون بطرق مميزة لحفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية؛ رغم ما يواجهونه من تحديات ومحاولات حثيثة لمحو الهوية الإسلامية.
في هذا التقرير، تسلط «المجتمع» الضوء على التحديات التي تواجه بعض شعوب القارة للتمسك بالإسلام، وغرائب العادات والطرق التي يتمسك بها الأفارقة في التعليم الديني وحفظ القرآن الكريم.
في وجه التحديات
لقد كان الإسلام بالنسبة للشعوب الأفريقية ديناً أفريقيا انتشر بقوته الذاتية وخصائصه الدفينة، وهو أكثر الأديان صلاحية واقترابًا من الواقع الأفريقي، وعلى الطرف الآخر فقد مَثلت المسيحية الدين الاستعماري وامتداداً للغرب المتعصب صاحب مفاهيم الاستعلاء الحضاري.
ورغم أن حال المسلمين في أفريقيا له خصوصية غير مُنكرة؛ فإنهم يواجهون المشكلات والعوائق التي يواجهها المسلمون في مناطق العالم الأخرى.
يقول رئيس هيئة علماء المسلمين بتنزانيا الشيخ عبدالله صالح، لـ«المجتمع»: إن أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أفريقيا علمانية الدولة، وعدم الاهتمام بتدريس الدين الإسلامي وتدريب وتأهيل معلمين للدين، وبناء عليه يصبح إلمام الطالب ضعيفًا أو منعدمًا، ويتوقف على حظ أسرته من الثقافة الإسلامية الذي هو بدوره ضعيف أيضًا.
وأضاف أن أغلب المسلمين في تنزانيا لا يجدون فرصة لتعَلّم دينهم بالمقارنة مع أقرانهم المسيحيين، وقليل منهم بنسبة لا تتجاوز 5% من حصلوا على فرصة لدخول الكتاتيب وهم صغار.
وأوضح صالح قائلًا: لقد كان هناك تحيز من الاستعمار لتثقيف المسيحيين لكي يخرج منهم الكوادر التي ستقود البلاد، ويتم الآن دفع مرتبات للقسيسين والأساقفة للحضور في المدارس الحكومية والأهلية لتعليم الطلاب الدين المسيحي، عكس المسلمين الذين لا يملكون هذه القدرة المادية.
ومن جهته، يرى المدير التنفيذي لاتحاد علماء أفريقيا، د. عمر بامبا، أن من أخطر تحديات التمسك بالإسلام في أفريقيا ظاهرة تعدّد الاتجاهات والتيارات الإسلامية، وأيضًا ظاهرة الإعلام الشّيعي الذي بدأ يظهر تدريجيًا على الساحة الأفريقية، وهو خطر يُحدق بالإعلام الإسلامي في منطقة غرب أفريقيا عامة وفي مالي خاصة، كما أضاف أن هناك هجومًا شرسًا على المدارس الإسلامية في مالي، لمحاولة تغيير مناهجها وتحريف أهدافها وتدجين طلابها عبر التعليم العلماني.
بينما يضيف الباحث ومدير معهد مسالك الجنان بالسنغال، عبدالأحد إنيانغ، أنه رغم وجود أغلبية مسلمة في السنغال، والفضل يعود إلى الجمعيات الإسلامية وانتشار الحركات والمؤسسات التربوية، لكن من أبرز التحديات هو الخلاف بين الصوفية والسلفية، وأيضًا انتشار الجهالة في أوساط العامة وعدم إلمام بعض المسلمين بشمولية الإسلام، وأنه دين يغطي جميع مناحي الحياة.
وأشار عبدالأحد، في حديثه مع «المجتمع»، إلى أن المؤسسات الدينية في السنغال لها دور كبير في الحفاظ على التراث الإسلامي والتعليم الديني، حيث تتم تنشئة الفرد المسلم السنغالي تنشئة إسلامية، ولذلك أغلب السنغاليين يرسلون أبناءهم إلى هذه المؤسسات، حتى الذين يختارون المدرسة الفرنسية يرسلون أبناءهم إلى المؤسسات الإسلامية ولو لفترة وجيزة.
القارة المسلمة رغم التحديات
رغم هذه التحديات التي تواجه الإسلام في أفريقيا، فإن الإسلام كجوهر لنظام حضاري لا يزال بمقدوره أن يمارس دوراً مهماً في عملية النهضة والتطور للشعوب الأفريقية، فالإسلام في مواجهته للمسيحية والديانات التقليدية قد أثبت نجاحًا هائلًا من حيث التمسك به في الوعي والضمير الأفريقي.
فأفريقيا تُمثل بحق، دون سائر القارات الأخرى، القارة المسلمة؛ فقد كان تأثير الإسلام على التطور الاجتماعي في أفريقيا عظيمًا وملموسًا، رغم تجاهل ذلك في دراسات العالم الإسلامي، فلا يَخفى تأثير الإسلام على المجتمعات الأفريقية في نواحي اللغة والعادات والملبس والسلوك الاجتماعي والفنون والموسيقى والمعمار والفلسفة والأخلاق.
ونتطرق هنا لعادات إسلامية فريدة تحتفظ بها بعض الشعوب الأفريقية، في حياتهم اليومية أو المناسبات الدينية، وطرق تقليدية لحفظ القرآن وتعلم اللغة العربية ما زالوا يتمسكون بها حتى الآن.
الألواح الخشبية في النيجر
يروي لنا عميد الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالنيجر د. علي يعقوب، أن نسبة المسلمين في النيجر حوالي 95%، لكنْ للعلماء والمؤسسات الدينية جهود كبيرة للتمسك بالعادات الإسلامية والتعليم الديني، وذلك بالتدريس والتوعية في المساجد والندوات الأسبوعية والدورات الشهرية أو الفصلية.
وذكر يعقوب، في حديثه مع «المجتمع»، أن من أبرز تقاليد التعليم الديني المدارس التقليدية؛ حيث يجلس التلاميذ على فرش من الحصير ويجدون طعامهم عن طريق الوقوف أمام البيوت في الأحياء وينشدون أناشيد خاصة باللغة المحلية، ليقدم لهم صاحب البيت الطعام المتوفر لديه أو يعتذر لهم.
وقال يعقوب: إن تدريس القرآن الكريم في النيجر يتم بطريقتين؛ طريقة تقليدية في الكتاتيب، وطريقة المدارس القرآنية في المساجد، وتعتمد الطريقة التقليدية على كتابة الآيات على اللوح الخشبي بالحبر، وبعد قراءة المعلم يردد معه التلميذ ثم يكرر التلميذ ما سمعه حتى يتقنه، ولا يبدأ حفظ القرآن إلا بعد ختمه بالنظر أولًا.
وتكون الدراسة من بعد الفجر إلى الضحى، ومن بعد العصر إلى المغرب، ثم يذهبون لتناول العشاء ويشعلون النار بالحطب لقراءة القرآن حتى العاشرة ليلًا ثم يخلدون إلى النوم، وفي اليوم التالي يقوم الطالب بغسل اللوح وتجفيفه استعدادًا للدرس الجديد، وعندما يبلغ التلميذ سورة «الأعلى» أو «النبأ» يقيم احتفالًا مع زملائه.
وأشار يعقوب إلى بعض العادات الإسلامية في النيجر التي يحتفظون بها في رمضان، مثل غلق كل مدارس القرآن وتفرغ العلماء لتفسير القرآن في المساجد بعد العصر أو بعد التراويح، وإيقاظ الناس للسحور بطبل مع تكرار كلمات باللغات المحلية، مثل: «استيقظوا وتسحروا أيها الناس»، كما يقوم الأطفال في الأيام العشرة الثانية من رمضان بارتداء زي أرنب ويتجولون في الأحياء وينشدون ويُقدم لهم الهدايا.
القرآن أولًا في السنغال
ونذهب للسنغال، حيث يقول عبدالأحد إينانغ، مدير معهد مسالك الجِنان بالسنغال: إن النظام التقليدي لحفظ القرآن يكون باستقبال الشيخ المقرئ للمتعلمين بلا مقابل مادي، ويبدأ تلقين الحروف الأبجدية للطالب، وتعليمه الهجاء ثم قراءة الكلمات، وبعد التمكن من القراءة يبدأ الطفل بقراءة قصار السور من سورة «الناس» إلى سورة «مريم»، ثم يبدأ من سورة «البقرة» إلى نهاية سورة «الكهف»، وبهذا يختم المصحف ويشرع في المراجعة والتصحيح.
ثم تكون مرحلة الرسم القرآني، حيث يكتب الطالب كل يوم ربع أو نصف جزء من القرآن على الألواح الخشبية حتى يكمل المصحف، وأضاف عبدالأحد أن الطالب في السنغال يركز على تعلم القرآن أولًا، ولا يُقبل على العلوم الشرعية واللغوية إلا بعد الفراغ من القرآن نهائيًا.
وبحسب عبدالأحد، فإن تدريس اللغة العربية في السنغال لا ينفك عن التعليم الديني، حيث يلتحق الطالب إلى الحلقات العلمية فور حفظ القرآن الكريم لتعلم أحكام الدين واللغة العربية.
ويروي عبدالأحد عن المناسبات والاحتفالات الدينية في السنغال، منها: اجتماعات ليلية في أيام وأماكن محددة تسمى «غمو»، من أبرزها ما ينعقد لذكرى ميلاد المصطفى عليه الصلاة والسلام، لقراءة ومراجعة سيرته العطرة وإنشاد قصائد مكتوبة عن حياته.
ومنها مناسبة دينية تسمى «مغال»؛ تُقام سنويًا في 18 صفر، لذكرى رحلة أحد أبطال السنغال المجاهدين الشجعان، وهو الشيخ أحمد بامبا إمباكي رحمه الله، لتخليد ذكرى رحلته البحرية إلى منفاه في الغابون على يد المستعمر الفرنسي بعد محاكمته في عام 1895م.
وهناك عادات دينية مستمرة، منها: «تاجبون»، وأصل الكلمة يعود إلى لفظ ورد في سورة «النجم»؛ (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) (النجم: 59)، وفيه يخرج السنغاليون في ليلة عشوراء بكثافة في أزياء وطنية معروفة، للقيام بطقوس تقليدية وقراءة روايات تاريخية يرافقها تمتمات رنانة مصحوبة برقصات شعبية مضحكة.
المسلم فقط من يقوم بالذبح في تنزانيا!
وإلى تنزانيا، حيث يفيدنا الشيخ عبدالله صالح، رئيس هيئة علماء المسلمين بتنزانيا، عن طرق تعليم القرآن الكريم، قائلًا: لقد كان الأجداد يستعملون اللوحات الخشبية ثم لجؤوا إلى الحفظ على نظام القاعدة البغدادية، حيث يبدأ الطالب بتعلم حروف الهجاء ثم وصل كلمة بكلمة، وبعد ذلك يتم التلقين من المدرس للطالب من بداية جزء «عم»، قراءة ثم حفظاً.
أما اللغة العربية يتم تعلم قواعد نحوية مبسطة، وتعلم كتب فقهية للمبتدئين في المذهب الشافعي، ويتلقى الطالب ترجمة الكلمات باللغة السواحيلية.
وأضاف صالح أنه رغم النسبة العالية للمسلمين في البلاد، فإنه لا توجد معاهد إسلامية قوية، سوى بعض المدارس الإعدادية والثانوية تحت المركز الإسلامي التابع لجامعة الأزهر، ومركز الحرمين الإسلامي، وهناك كم هائل من المدارس القرآنية تسمى «الكتاتيب»؛ وهي عبارة عن غرف ملصقة بالبيوت لكنها تتبع طرقاً تقليدية جداً.
ومع ذلك يرى صالح أن مراكز تحفيظ القرآن الكريم التقليدية في تنزانيا وأفريقيا عمومًا أدت الدور الأكبر في نشر الدعوة والتمسك بالعادات الإسلامية من خلال تحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية.
وأشار رئيس هيئة علماء المسلمين بتنزانيا إلى عادات إسلامية فريدة ما زال المسلمون في تنزانيا يحتفظون بها؛ منها أن كثيراً من أولياء الأمور يرفضون إرسال أولادهم إلى المدارس الثانوية المسيحية حفاظًا عن دينهم وثقافتهم، رغم توفر المساعدات وسهولة الالتحاق بهذه المدارس.
وهناك عادة الذبح، حيث يُشترط وجود مسلم في كل مسلخ حكومي في البلد ليقوم بالذبح، وهذه العادة يرتاح إليها التنزانيون.
مالي.. وطقوس دينية في العيد
ومن مالي، حيث تُعد الكتاتيب والمدارس العربية الإسلامية من أبرز تقاليد التعليم الديني هناك، فبحسب د. عمر بامبا، المدير التنفيذي لاتحاد علماء أفريقيا، فإن هذه المدارس امتداد طبيعي للتعليم القرآني والديني الذي عرفته البلاد عبر تاريخها العريق وبخاصة أيام ازدهار التعليم الإسلامي العربي في ممالك وإمبراطوريات أفريقيا.
وأضاف بامبا، لـ«المجتمع»، أن المؤسسات الدينية والعلماء لهم دور كبير في الحفاظ على العادات الإسلامية في مالي، ففي مجال التعليم الديني مثلاً تحافظ المؤسسات الدينية على لباس مناسب للمسلمات في المدارس الحكومية والخاصة، حيث تكون بعض تلك الملابس غير مناسبة للطالبات المسلمات، لأن نظام تعليم الدولة علماني.
وأردف أن المؤسسات الدينية والدعاة يسعون للحفاظ على كل العادات الإسلامية التي عُرفت بها مالي منذ بدايات دخول الإسلام إلى يومنا هذا، فمن هذه العادات الإسلامية في صلاة العيدين: لبس الثياب الحسان، وضرب الآلة المصنوعة من القصب، وغناء شعر، وقبيل العيد يتم الغسل والتطيب وحلق الرؤوس أو تقصيرها من قبل الرجال والشباب والصبيان، والتضفير والخضاب من قبل النساء.
كما يحرص الماليون على الأكل والشرب في جماعة، حيث يتجمعون في بيت أحد الصبيان أو الشباب، ويدفع كل واحد منهم مبلغًا من المال ويشترون ما يحتاجون إليه من الأطعمة والمشروبات، ثم بعد ذلك يزورون الشيوخ والأقارب في بيوتهم.
وختامًا، رغم تنوع العادات ومدى اتفاقنا معها؛ تبقى أفريقيا قارةً بكراً، ليس فقط لثرواتها الهائلة، ولكن لقصصها الشيقة وحكاياتها الفريدة، ولتمسك الأفارقة بالعادات والتقاليد المختلفة التي أضفى عليها الإسلام حُلة جميلة أنيقة، فأصبحت أفريقيا زاخرة بالإسلام وأصبح الإسلام عنوانًا لها.