كان الشهيد حسن البنا هادئاً في مواجهة العقبات، وادعاً في حل المشكلات، لا تغضبه الاختلافات، ولا تستخفه المهاترات، أو تستهويه الصغائر.
ففي اليوم الذي انشق فيه بعض الإخوان، وخرجوا من الجماعة، وسموا أنفسهم «شباب محمد»، لم يثر عليهم، ولم يقاطعهم، ولم يوزع عليهم الشبهات، ولم يؤلب أحداً عليهم، ولكن تصرف معهم التصرف الذي لا يتصرفه سواه في مثل هذا الموقف، اتخذ «شباب محمد» له مقراً، وأعد دفاتر للاشتراك في صفوفه، فكان الإيصال الأول باسم حسن البنا، ليؤكد لهم أن موقفهم هذا لم يزعجه، وأنه يتمنى لكل عامل في حقل الدعوة الإسلامية أن يوفقه الله لكل ما يحب ويرضى.
ويعلق أ. عمر التلمساني على هذا الموقف بقوله: وما دام هو واثقاً من نفسه، فلماذا لا يتصرف وهو على بيّنة من نتائج هذا التصرف؟ تعالى على الصغائر والمهاترات، واكتسب احترام الذين انشقوا عليه، لأنه لم يبدأهم بهجوم ولا ملام، هذه الثقة الهادئة المطمئنة، لا يزعزع من إيمانها بنفسها تعدد الأحداث، ولا تكاثر الخصوم، ولا تحالف الأضداد، لا شيء من هذا يفزعها، أو يردها عما اعتزمت، أو يشككها فيما اتخذت من قرارات.
وما أحوجنا لوقفة جادة أمام هذا الخلق الرفيع، الخلق الذي يسمو بنا فوق الشبهات، ويصون أوقاتنا، ويحفظ مكانتنا، ويصحح مسارنا، المسار الذي ابتعدنا عنه في كثير من تصرفاتنا وتصريحاتنا، فما أسرعنا ما نحكم على من يترك الصف، أو ينبو حده، أو تكبو به فرسه، في بلاء أو محنة!
ما أحوجنا لهذا الخلق الكريم الذي يديم العلاقات، ويسود به الحب والصفاء، فيكون أساسَ الالتقاء بين العاملين في حقل الدعوة الودُّ والاحترام والتقدير والصفاء والبشاشة والسماحة فقط، وليس الحزبية والشخصانية، التي غدت آفة العاملين وعصبية مقيتة بين الهيئات والتنظيمات!
ما أحوجنا لهذا الخلق الكريم في زمن تردت فيه الأخلاق، وتراخت فيه عرى الفضيلة، وسبق فيه سوء الظن في التفسيرات والتأويلات، حتى غدت تأكل النار نفسها!
ما أحوجنا إليه حتى نحافظ على صفنا، ونقاء نفوسنا، وسلامة صدورنا، وبراءة ألسنتنا، وطهارة قلوبنا!