لا يتورع العدو الصهيوني عن استخدام أي وسيلة يعتقد أن من شأنها كسر إرادة الفلسطينيين، وإفقادهم القدرة على مواصلة التمسك بحقهم في تحرير أرضهم والدفاع عنها، ومن ذلك جريمة الاعتقالات التي يمارسها الاحتلال بكل صلافة وعنف، سواء في لحظة الاعتقال ذاتها أو ما يعقبها من ممارسات داخل سجون الاحتلال.
سُعار الاحتلال
ومنذ عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، أصيب الاحتلال بالسُّعار وضاعف من إجرامه، واعتقل المزيد من الفلسطينيين، في كل مناطق الأرض المحتلة؛ في خطوة أراد بها أن يرد على هيبته التي كُسرت في المعركة الجارية، وأن يمنع الشرارة التي اندلعت من أن تمتد وتتواصل في عموم فلسطين.
فقد أعلن «نادي الأسير الفلسطيني»، في الذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية، أنه ومنذ شروع الاحتلال بحرب الإبادة في غزة، سُجلت ما لا يقل عن 8745 حالة اعتقال في الضفة بما فيها القدس، من بينهم 292 من النساء، وما لا يقل عن 615 طفلاً.
ولفت «نادي الأسير» إلى أن هذه الأرقام لا تشمل حالات الاعتقال في غزة التي تقدر بالآلاف، كما أن حالات الاعتقال تشمل من اعتُقل وأبقى الاحتلال على اعتقاله ومن أُفرج عنه لاحقًا.
وبيّن أن الأسرى في سجون الاحتلال يواجهون، ومنذ بدء حرب الإبادة على غزة، سياسات التعذيب والتنكيل والضرب المبرح والتجويع والقمع المتواصل والإذلال بكافة أشكاله، والجرائم الطبية، وقد أدت هذه السياسات إلى استشهاد على الأقل 18 أسيرًا، هذا فضلاً عن الشهداء من معتقلي غزة في المعسكرات، الذين لا يُعرف عددهم بالتحديد؛ لأن الاحتلال يواصل فرض جريمة الإخفاء القسري بحقهم.
امتداد لـ«النكبة»
من جانبها، قالت مؤسسات الأسرى: إن عمليات الاعتقال الممنهجة التي مارستها منظومة الاحتلال «الإسرائيلي» تشكل أحد أبرز أوجه «النكبة» المستمرة بحق شعبنا الفلسطيني.
وأضافت المؤسسات، في بيان، نقلته «وكالة الأنباء الفلسطينية» (وفا)، الأربعاء 15 مايو 2024م، أن المرحلة الراهنة هي الأقسى والأشد على مصير المعتقلين والمعتقلات في سجون الاحتلال تاريخيًا، التي تشكل امتدادًا لنهج الاحتلال وسياساته الثابتة التي مارسها على مدار عقود طويلة.
وتابعت المؤسسات أن تاريخ عمليات الاعتقال الممنهجة وزج أبناء شعبنا في سجون الاستعمار قد بدأ فعليًّا منذ ما قبل تاريخ «النكبة»، وما سبقها من مرحلة الانتداب البريطاني الذي ورّث بنى وسياسات وقوانين، استخدمتها منظومة الاحتلال الاستعمارية «الإسرائيلية» لاحقًا وحتى اليوم في ترسيخ عمليات الاعتقال، التي طالت أكثر من مليون فلسطيني منذ سنوات الاحتلال، وهذا المعطى الصادر هو معطى تقديري استنادًا إلى ما هو متوفر من معطيات.
وأكدت المؤسسات، في ذكرى «النكبة»، أن نضال المعتقلين المستمر على مدار هذه العقود ومواجهتهم لكل أشكال التعذيب والجرائم المروعة اليوم في ضوء حرب الإبادة، يشكل انعكاسًا لإرادة الشعب الفلسطيني في سبيل الحرية وتقرير المصير، وأشارت المؤسسات إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ أكثر من 9300، من بينهم أكثر من 3400 معتقل إداري، وأكثر من 80 معتقلة، وأكثر من 250 طفلًا، علمًا أن هذا المعطى لا يشمل معتقلي غزة في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، وذلك في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي فرضها الاحتلال عليهم منذ تاريخ الإبادة.
أشهر الأسرى
ومن المهم أن نشير إلى أن ملف الأسرى به عدد من الأسرى صاروا رموزًا على ما تمتلئ به صفحات هذا الملف من معاناة، وما يشير إليه من مكانة لدى الوعي الفلسطيني والمقاومة بمختلف فصائلها؛ وهذا راجع إلى التاريخ النضالي لهؤلاء الأسرى، وعدد محكومياتهم، ومن هؤلاء الأسرى: نائل البرغوثي، محمود عيسى، إبراهيم حامد، مروان البرغوثي، أحمد سعدات، وكمثال تفصيلي، نشير إلى:
– الأسير نائل البرغوثي (67 عامًا): الذي دخل عامه الـ44 في سجون الاحتلال، قضى منها 34 عامًا في سجن متواصل؛ ليكون بذلك أقدم الأسرى الفلسطينيين.
– الأسير عبدالله البرغوثي (52 عامًا): الذي اعتُقل في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية في 5 مارس 2003م، وهو صاحب أكبر حكم يصدر في تاريخ الاحتلال، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد 67 مرة، إضافة إلى 5200 عام؛ بتهمة تنفيذه 7 عمليات فدائية وضلوعه في 7 عمليات تفجيرية؛ أدت إلى مقتل 67 «إسرائيليًّا»، وجرح أكثر من 500 آخرين.
– الأسير أحمد سعدات (71 عامًا): الذي كان معتقلاً لدى السلطة الفلسطينية بسجن أريحا، تحت حراسة رجال أمن أمريكيين وبريطانيين، وفي 14 مارس 2006م انسحب المراقبون الأمريكيون والبريطانيون، لتقتحم قوة صهيونية السجن، بعد انسحاب المراقبين بـ5 دقائق؛ فتعتقل سعدات وتحاكمه، وفي 25 ديسمبر 2008م حكمت عليه المحكمة العسكرية «الإسرائيلية» بسجن عوفر، بالسجن 30 عامًا.
تاريخ من المعاناة
وفي ملف الاعتقال والأسرى، يمكن أن نرصد عدة نقاط مهمة:
1- أن السلوك الإجرامي باعتقال الفلسطينيين والزج بهم في غياهب السجون بدأ فعليًّا منذ ما قبل تاريخ «النكبة»؛ أي في سجون الاستعمار، ثم جاء الاحتلال الصهيوني ليكمل المسيرة!
2- أن ملف الأسرى هو إحدى القضايا الأساسية التي عليها إجماع من كافة الفصائل الفلسطينية، ولهذا فهو ملف حاضر دائمًا سواء في إبراز معاناة الأسرى والتضامن معهم، أو في عمليات التفاوض التي تجريها الفصائل مع الاحتلال، وكما هو حاصل في المفاوضات بعد «طوفان الأقصى».
3- أن الذاكرة الفلسطينية شديدة الاحتفاء بالأسرى، وقد خصصت لهم «يوم الأسير» تمامًا كما خصصت «يوم الأرض»، في رمزية مهمة تجمع الإنسان بأرضه، والثائر بقضيته، ففي 17 أبريل من كل عام، يُحيي الفلسطينيون «يوم الأسير»؛ إذ اعتمد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته المنعقدة بهذا اليوم عام 1974م هذا التاريخ باعتباره يومًا وطنيًّا من أجل حرية الأسرى ونصرة قضيتهم العادلة.
وقد اعتُبر محمود بكر حجازي أول أسير في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، بعد أن اعتُقل إثر تنفيذه مع مقاومين آخرين عملية قرية بيت جبرين الفدائية، وحكم عليه بالإعدام ثم حوّل للسجن 30 عامًا، ليطلق سراحه عام 1971م، بأول صفقة تبادل تتم فوق الأرض الفلسطينية عُرفت بـ«أسير مقابل أسير».
4- أن عددًا كبيرًا من الأسرى حُكم عليه بأحكام قاسية مطولة؛ وبحسب «نادي الأسير الفلسطيني»، يبلغ عدد الأسرى الذين يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد ومن يُتوقع أن تصدر بحقهم أحكام بالسجن المؤبد، 600 في سجون الاحتلال.
5- أن الاحتلال لا يتوانى عن ممارسة القمع والتنكيل بالأسرى، فيما يعرف بـ«صهر الوعي»، كما هو عنوان كتاب الأسير الشهيد وليد دقة، الذي استشهد في 7 أبريل 2024م، بعد أن قضى 38 عاماً في سجون الاحتلال، متأثرًا بإصابته بالسرطان، وأعلنت هيئة شؤون الأسرى، ونادي الأسير، في بيان مقتضب، عن استشهاد دقة (62 عامًا) داخل مستشفى آساف هروفيه جراء سياسة الإهمال الطبي المتعمد والقتل البطيء التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى.
وفي الأخير، يمكن لنا أن نقول: إن الاعتقالات تمثل إحدى الجرائم البشعة التي لا يكف الاحتلال عن استخدامها، بعنف وقسوة، بحق الإنسان الفلسطيني؛ ظنًّا منه أنه يمكن أن ينجح في كسر إرادة المقاومة لدى الفلسطينيين، لكن التاريخ يشهد أن الاعتقال لم يفلح في كسر الإرادة، وأن الفلسطينيين لا يكفون عن المقاومة حتى وهم في داخل سجون الاحتلال؛ فالمعادلة هي بكل وضوح وبساطة: «متى وُجد الاحتلال وُجد المقاوِم»!