حث الإسلام على السير في الأرض والسعي في أرجائها طلبًا للعلم أو ترويحًا عن النفس، مبينًا أن السفر وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة وليس غاية بحد ذاته فالمسلم العاقل يدرك أن هذه الوسائل يجب أن تُستغل بحكمة وألا تتحول إلى غايات في حد ذاتها يقول الله تعالى: أفَلَمْ يَسيروا في الأرْضِ فيَنْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبةُ الذين مِنْ قَبلهم دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِم ولِلْكافِرِينَ أَمْثالُها” (محمد: 10) ويقول أيضا “قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظروا كَيْفَ كَانَ عاقِبةُ المُجرِمينَ” (النمل: 69)، “فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ” (آل عمران: 137)
وتظهر هذه الآيات مدى تشجيع الإسلام على السفر والتجول في الأرض للاعتبار والتعلم من تجارب الأمم السابقة، وللاستفادة منها في تحقيق حياة أفضل ومتوازنة.
هذا وقد أوضح الدكتور عجيل النشمي، عميد كلية الشريعة بالكويت سابقًا، أن الشرع لا يمنع المسلم من السفر والسياحة إلى أي بلد، بشرط الالتزام بتعاليم الدين وعدم جعل السفر ذريعة لارتكاب المحرمات. وأكد أن الإسلام يشجع على السفر لأخذ العبرة، والاتعاظ، والاستفادة من تجارب الأمم، كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم: “قل سيروا في الأرض فانظروا” (الروم: 42، النمل: 69، العنكبوت: 20).
وأشار الدكتور النشمي لـ المجتمع إلى أن السياحة بغرض ارتكاب المعاصي تعتبر محرمة، ونصح بأن من يجد في نفسه ضعفًا لا يجوز له تعريض نفسه للفتنة. كما أضاف أنه لا يجوز للولي ترك أبنائه يسافرون وحدهم أو مع رفاق السوء دون مراقبة وتوجيه إيماني مستمر.
وفيما يتعلق بالسفر إلى بلاد الغرب، أكد الدكتور النشمي أنه لا بأس به إذا التزم المسافر بترك المعاصي والمحافظة على الصلوات وزيارة الأماكن السياحية المسموح بها مثل المتاحف والحدائق. وأضاف أن من يحمل نية دعوة غير المسلمين إلى الإسلام خلال السفر، أو نصح من تأثر بباطل تلك الديار، فإن له أجرًا عظيمًا على هذه النية.
هذا التصريح يأتي في سياق توضيح موقف الشريعة الإسلامية من السياحة والسفر، مسلطًا الضوء على أهمية التزام المسلم بتعاليم دينه أينما كان.
ومن جانبه أوضح الشيخ د. سلمان مندني أن المواطن المسافر يمثل بلده ودينه قبل كل شيء، حيث يكون محط أنظار الناس في الخارج. فهم ينظرون إليه كمواطن لتلك البلاد قبل أن يكون سائحاً أو زائراً. وبالتالي، عليه أن يعكس صورة طيبة في سلوكه وخلقه ومعاملته، ويظهر من خلال تعامله مع الناس مدى انتمائه لدينه ووطنه. بهذا المعنى، يعتبر المسافر سفيراً من دون سفارة، فهو ليس شخصاً غير معروف أو مجهول.
من ناحية أخرى، قال الشيخ مندني لـ المجتمع يجد المسافر فرصة طيبة لإشباع حاجاته النفسية بالترويح والأنس والسعادة، مع تلمس جوانب متعددة يشبع بها جانبي الإيمان والروح. فهو يمارس إيمانه أثناء تمتعه مع أفراد أسرته وإدخال السرور عليهم. وأشار الشيخ مندني إلى أن السفر يُعد فرصة للقاء وجمع شمل الأسرة، مما يوفر مواقف يستطيع من خلالها رب الأسرة التوجيه والتربية والتأديب والتعليم. خلال هذه الأوقات، تزداد الألفة والمعرفة بين أفراد الأسرة من خلال اللهو واللعب.
وطالب الشيخ مندني رب الأسرة بمعرفة إمكاناته المادية، مشدداً على عدم إثقال كاهله بأقساط كثيرة تتعبه. وأكد على اختيار السفر الذي يكون أقل كلفة، فهو ترويح ومتعة لا تتطلب تكليف المسلم بما لا يطيق.
كما حث الشيخ مندني المسلم على اختيار الأسفار القصيرة والقريبة التي تجدد النشاط وتزيد الهمة والقدرة على العمل والإنجاز. وأشار إلى أن قدرة المسلم على السفر والترويح عن النفس هي نعمة من الله بفضل المال وسعة الرزق. لذلك، يجب ألا تُستغل هذه النعمة في معصية الله، بل يجب أن يتذكر المسلم شكر الله وحمده على ما وسّع به عليه وأتاح له فرصة السفر ورؤية بلاد الله.
و قال أستاذ الشريعة والإمام والخطيب في وزارة الأوقاف د. عيسى الظفيري: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إني أريد السفر فزودني، فقال: زودك الله التقوى» (رواه الترمذي).
أوضح د. الظفيري لـ المجتمع أن النفس بحاجة إلى الترويح والاستجمام في حدود ما أباحه الله عز وجل من الطيبات، وذلك لتنشيطها على الطاعات وتجديد حيويتها في هذه الحياة. ومن صور الترويح السفر المباح، حيث وجه النبي صلى الله عليه وسلم المسافر بوصية جامعة لكل الفضائل والخصال الحميدة، وهي التقوى. تقوى الله تعني أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، كما قال عبدالله بن مسعود.
أضاف د. الظفيري أن هذه الوصية تستوجب على المسافر مراعاة جملة من الأمور قبل سفره وأثناءه. أولها النية الصالحة، بحيث يحرص المسافر، رجلاً كان أو امرأة، على أن تكون نيته في السفر طيبة وصالحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
وأشار د. الظفيري إلى أهمية مصاحبة الرفيق الصالح في السفر، الرفيق الذي ينفعك ولا يضرك، ويسعدك ولا يشقيك، ويكرمك ولا يهينك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». الرفيق الصالح له تأثير إيجابي في السفر والحضر.
وأكد د. الظفيري على ضرورة المحافظة على الصلاة أثناء السفر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة». السفر لا يعني تضييع الصلوات أو التفريط فيها.
وشدد د. الظفيري على أهمية أن يكون مأكل المسلم ومشربه حلالاً. من التقوى في السفر حرص المرأة على الاحتشام في اللباس، فالمرأة مأمورة بالحجاب في كل زمان ومكان. لا يجوز للمرأة أن تسافر دون محرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم».
وختم د. الظفيري بالتأكيد على مراقبة الله في كل زمان ومكان، قائلاً: “إن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو معكم أينما كنتم”. فعلينا مراقبته في كل أعمالنا، حيث قال ابن المبارك لرجل: «راقب الله يا فلان»، فسأله الرجل عن المراقبة فقال له: «كن أبداً كأنك ترى الله عز وجل».