يبحث أصحاب القلوب الكبيرة والنفوس العظيمة والطباع السليمة عن العبادات التي تناسب ما أعطاهم الله إياه من الفضل والكرم، فتجدهم يحبون الخير للناس ويسعون إلى توصيله إليهم حتى يسعدوا في دنياهم وأخراهم، ومن أهم العبادات التي لا يقوم بها إلا من صفت نفسه وطاب قلبه عبادة إدخال السرور على الناس.
الله يدخل السرور على عباده
مما يدفع إلى هذه العبادة ويعين عليها أن نعلم أن الله تعالى يدخل السرور على قلوب عباده، فهو يفيض عليهم من الخير ويضمن لهم الرزق ويجيب الدعاء وييسر الأمور؛ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {25} وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) (الشورى)، وفي الآخرة يدخل السرور على عباده بالمغفرة ودخول الجنة، حيث قال تعالى: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) (الإنسان: 11).
الرسول يدخل السرور على الناس
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على عبادة إدخال السرور على الناس، فقد أورد الهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك أنَّ رجُلًا مِن أهلِ البادِيَةِ اسمُه زاهِرٌ، وكان دَميمَ الخِلقَةِ فأتاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَبيعُ شيئًا له في السُّوقِ فاحتَضَنه مِن خَلفِه، فقال له: مَن هذا؟ أَرسِلْني، والتَفَت فعرَف النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعَل النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: «مَن يَشتَري مِنِّي هذا العبدَ؟»، وجعَل هو يَلصِقُ ظهرَه بصدرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويقولُ: إذًا تَجِدُني كاسِدًا، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ولكنَّكَ عِندَ اللهِ لستَ بكاسِدٍ»، إنه يدخل السرور على قلبه بممازحته ومحادثته عن رفعة شأنه وعظيم قدره عند الله.
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً ما رواه الترمذي عن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا.
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إسعاد الناس بأن يسوق لهم ما يبشرهم، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن رجلا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قالَ: «ويْلَكَ! وما أعْدَدْتَ لَهَا؟»، قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: «إنَّكَ مع مَن أحْبَبْتَ»، فَقُلْنَا: ونَحْنُ كَذلكَ؟ قالَ: «نَعَمْ»، فَفَرِحْنَا يَومَئذٍ فَرَحًا شَدِيدًا.
ثواب عبادة إدخال السرور على الناس
إن هذه العبادة لها أجر عظيم وثواب جزيل، ويتبين ذلك فيما يأتي:
أولاً: من أحب الأعمال إلى الله:
روى الطبراني عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا»، وروى ابن حبان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم».
ثانياً: من موجبات المغفرة:
روى الطبراني عن عبدالله بن حسن، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم».
ثالثاً: سبب في إدخال السرور عليك يوم القيامة:
روى الطبراني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي أخاه المسلم بما يحب الله ليسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة».
رابعاً: سبيل إلى دخول الجنة:
روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا، لم يرضَ الله له ثوابًا دون الجنة».
مظاهر إدخال السرور على الناس
تنوعت طرق إدخال السرور على الناس، مما يفتح الباب أمام المسلم أن يؤدي هذه العبادة بالطريقة المتاحة له، ومن هذه الطرق ما يأتي:
أولاً: الابتسامة:
الابتسامة علامة على الخير ودليل على البشرى، وهي تفتح قلوب الناس، وقد حث عليها الإسلام، فقد أخرج الترمذي عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ»، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ»، وفي صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله قال: ما حَجَبَنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ أسْلَمْتُ، ولَا رَآنِي إلَّا تَبَسَّمَ في وجْهِي.
ثانياً: الكلمة الطيبة:
لقد أمر الله تعالى أن نقول الكلام الطيب، فقال عز وجل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء: 53)، وقال أيضاً: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83)، وقد حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، وفي صحيح ابن حبان عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ».
ثالثاً: الهدية:
تسهم الهدية في تحقيق المحبة والمودة، وقد أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «تهادوا تحابوا»، بل إنه صلى الله عليه وسلم حرص على إسعاد من حوله بالهدية، ففي صحيح البخاري عن أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: أُتِيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثِيابٍ فيها أعلام سَوْداءُ، فقالَ: «مَن تَرَوْنَ نَكْسُو هذِه الخَمِيصَةَ؟»، فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قالَ: «ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ»، فَأُتِيَ بي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فألْبَسَنِيها بيَدِهِ، وقالَ: «أبْلِي وأَخْلِقِي» (مَرَّتَيْنِ)، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلى عَلَمِ الخَمِيصَةِ ويُشِيرُ بيَدِهِ إلَيَّ ويقولُ: «يا أُمَّ خالِدٍ هذا سَنا ويا أُمَّ خالِدٍ هذا سَنا»، والسَّنا بلِسانِ الحَبَشِيَّةِ: الحَسَنُ.
رابعاً: إفشاء السلام:
إفشاء السلام سبيل إلى المحبة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ».
خامساً: معاونة المحتاجين:
مساعدة من يحتاج إلى المساعدة تسهم في تيسير أمره وكشف كربه، وفي هذا من السعادة ما فيه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على مساعدة الناس، حيث روى البخاري عن أنس بن مالك قال: إنْ كَانَتِ الأمَةُ مِن إمَاءِ أهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بيَدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَنْطَلِقُ به حَيْثُ شَاءَتْ، وكان صلى الله عليه وسلم يؤكد أن معاونة المحتاج وقضاء حاجته أفضل من الاعتكاف في المسجد، ففي السلسلة الصحيحة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا».
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا».