في 21 أغسطس 1969م أقدم المتطرف الصهيوني القادم من أستراليا مايكل أوهان على اقتحام المسجد الأقصى وأشعل النار فيه بتخطيط مسبق، وليس وليد لحظة عابرة طارئة، حيث إنه يؤمن بعودة بني إسرائيل إلى أرض فلسطين وبناء هيكلهم المزعوم، وكان يصرح بقوله: إنه يهودي، ومكلف من الإله بمهمة عظيمة! وبتنسيق مع سلطات الاحتلال التي قطعت المياه عن منطقة المسجد، وبتأخر واضح مقصود لسيارات الإسعاف والإطفاء، ثم تبرئته بدعوى وضعه الصحي والنفسي.
من الواضح أن تغيير طبيعة المدينة الحضارية وهويتها العربية الإسلامية كان هدفاً إستراتيجياً، وما زال من إقدام المتطرف على إحراق المسجد الأقصى، فبدأت محاولات تنفيذ مشاريع لتغيير طبيعة المدينة كمشروع التلفريك وبناء الجسور المعلقة، والضغط على المقدسيين وإثقالهم بالضرائب الباهظة، دفعاً لمغادرتهم مساكنهم والاستيلاء عليها من قطعان المستوطنين عدا عن محاولات تسريب العقارات، وشرائها عبر وسطاء أفراد ومؤسسات باعوا أنفسهم وضمائرهم بثمن بخس.
من المؤكد أن اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، والسير في ساحاته وباحاته وإقامة شعائرهم التلمودية المزيفة أخطر من إحراقه، وبحماية مشددة من شرطة الاحتلال وبشكل يومي وبأعداد تتزايد بشكل لافت، وبتنظيم واضح بمعدل 5 ساعات في اليوم، وعلى فترتين صباحاً وبعد الظهر من غير صلاتي الظهر والعصر، تفرض واقعاً جديداً خطيراً أدى إلى تقسيم المسجد المبارك زمانياً وصولاً لتقسيمه مكانياً، وبناء هيكلهم المزعوم، وعليه فإن الواجب المطلوب هو دعم صمود المقدسيين وفق منظور إستراتيجي ورؤية بعيدة المدى، وليس رد فعل لحادث أو أحداث طارئة.
يعتبر الدعم السياسي أهم أشكال الدعم، وهو ضرورة وأولوية مقدمة على أشكال الدعم الأخرى، ولا يلغيها، ينبغي للدول والحكومات العربية والمسلمة استخدام أدوات الضغط السياسي على الكيان الصهيوني وداعميه، لوقف انتهاكاته لـ«الأقصى» المبارك من خلال المنظمات الدولية والقانونية، وقطع كافة أشكال العلاقة معه، وتفعيل أدوات المقاطعة بكافة أنواعها وأشكالها ومحاصرته في المحافل الدولية، ووقف التطبيع معه الذي يشكل طعنة في خاصرة المقدسيين، واستهزاء بتضحياتهم، وتنكر لشهدائهم وجرحاهم وأسراهم.
وينبغي دعم صمود المقدسيين، وتشجيع شد الرحال للمسجد المبارك والصلاة فيه، وتكثيف التواجد في ساحاته وباحاته؛ رباطاً وتواجداً، ومن المؤكد أن دعم صمودهم يتطلب التنسيق مع الهيئات الفاعلة لمعرفة ما يحتاجونه، وما يدعم صمودهم وثباتهم في مدينتهم ومدهم بكافة أشكال الدعم والإسناد، فدعمهم واجب وإسنادهم مطلوب.
أبدعت المقاومة الفلسطينية بإطلاق أسماء بعض معاركها مع الاحتلال في إشارة لـ«الأقصى» كـ«سيف القدس» عام 2022م، رداً على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، وكذلك معركة 7 أكتوبر باسم «طوفان الأقصى»، بإشارة واضحة على أن المقاومة تدافع عن مقدسات الأمة أولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ونداء مباشراً للأمة؛ أفراداً ومؤسسات وهيئات ودولاً وحكومات، للدفاع عن مسجدها المبارك، فـ«الأقصى» بوصلة الأمة وعامل وحدتها ومشعل ثورتها وضرورة جهادها وكفاحها، فالمطلوب إسناد المقاومة، بل المشاركة في تحرير «الأقصى» وتطهيره من دنس محتليه.