ما حدث لبنجلاديش في عام 1970م وما بعدها من أحداث لم تكن إلا تتمة لمؤامرة تفتيت الهند، وتشتيت مسلميها، فالهند التي كانت تمثل ربع اقتصاد العالم (24.4%)(1) قبل أن تنكب بالاحتلال البريطاني، لم يكن متوقعاً من الاستعمار البريطاني أبداً أن يترك دولة مثل الهند موحدة بعد أن اضطرت بريطانيا للانسحاب بعد الحرب العالمية الثانية، كان المسلمون هم الغرض من التقسيم والتفتيت للهند الكبرى؛ لأنهم كانوا حتماً سيعودون لحكم الهند الموحدة عند أول انتخابات حرة، وحتى إقليم البنجاب تم قسمه إلى شطرين قبل استقلال الهند.
التقسيم الأول
«فرِّق تسُد» سياسة إنجليزية إمبريالية شيطانية قديمة تقوم على التقسيم والتفتيت وإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، وقد بدأ تقسيم إقليم البنغال (بنجلاديش) الذي كان يضم واحداً من أكبر تجمعات المسلمين في الهند آنذاك، في بداية القرن العشرين، قبل استقلال الهند بأكثر من 40 عاماً؛ وذلك لأن المسلمين في الهند لم تتوقف مقاومتهم للاستعمار البريطاني منذ نكبوا به مع وصول شركة الهند الشرقية البريطانية لشبه القارة، وقع التقسيم الأول لإقليم البنغال في عام 1905م، حيث فصل المناطق الشرقية من الإقليم عن المناطق الغربية، ولكن ذلك القرار أدى إلى تفاقم المشاعر القومية؛ ما جعل بريطانيا تتراجع عنه في عام 1911م.
لم تنس بريطانيا أن ذلك الإقليم (بنجلاديش) يجب أن يقسم، ولذلك قررت عند الاستقلال وانفصال باكستان أن تعيد الفصل القديم للإقليم، فصل الجزء الغربي عن الشرقي، وأن يسمح للبنغال الشرقية فقط بالانضمام لدولة باكستان الوليدة.
التخطيط لفصل باكستان الشرقية عن الغربية
بدأ التخطيط لفصل باكستان الشرقية (بنجلاديش) عن باكستان الموحدة مباشرة بعد استقلالها، وكان حزب رابطة عوامي وزعيمه إحدى أهم أدوات الانفصال، ولا شك أن الإدارة الباكستانية الفاشلة ساهمت في إذكاء الصراع بين شطري باكستان، وقد استغل المتآمرون التفاوت الاقتصادي والاختلافات اللغوية والثقافية والقمع السياسي لإذكاء نزعة الانفصال عند البنغاليين.
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شهدت باكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) عدة محاولات وحركات تهدف إلى الانفصال عن باكستان الغربية، وفيما يلي بعض الأحداث البارزة في تلك الفترة:
1- حركة اللغة البنغالية:
حركة اللغة البنغالية، المعروفة أيضًا باسم «بهاشا أندولون»، كانت حركة سياسية مهمة في باكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) خلال الخمسينيات، وقد طالبت الحركة بالاعتراف باللغة البنغالية كلغة رسمية إلى جانب اللغة الأردية في باكستان.
بدأت الحركة في أواخر الأربعينيات، بعد تقسيم الهند عندما أصدرت الحكومة الباكستانية بقيادة محمد علي جناح قراراً متعسفاً بجعل اللغة الأردية هي اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد، متجاهلة عشرات الملايين الذين يتحدثون اللغة البنغالية، وكان لا بد لهذا القرار أن يغضب البنغاليين الذين كانوا يشكلون الأغلبية.
وفي 21 فبراير 1952م، نظم الطلاب والنشطاء السياسيون في دكا احتجاجات واسعة للمطالبة بالاعتراف باللغة البنغالية، قُتل فيها العديد من الطلاب، وبعد سنوات من الاحتجاجات والضغوط، تراجعت الحكومة الباكستانية وأعلنت في عام 1956م أن اللغة البنغالية ستكون لغة رسمية إلى جانب اللغة الأردية.
وهكذا كانت حركة اللغة البنغالية نقطة تحول في تاريخ باكستان الشرقية، حيث ساهمت في تعزيز الهوية القومية البنغالية وأدت في النهاية إلى حركة الانفصال في عام 1971م(2).
2- انتخابات عام 1954م في باكستان الشرقية:
كانت انتخابات عام 1954م في باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليًا) لحظة فارقة في تاريخ الدولة الوليدة، فقد شهدت تلك الانتخابات صعودًا كبيرًا للتيارات القومية البنغالية، ووضعت الأساس لصراع طويل الأمد من أجل الاستقلال.
فقد كان من نتائج هذه الانتخابات صعود القومية البنغالية ورفض هيمنة باكستان الغربية؛ ولذلك شكلت نتائج الانتخابات بداية لأزمة سياسية عميقة بين شرق وغرب باكستان، وقد تفاقمت تلك الأزمة بسبب رفض نخبة باكستان الغربية الاعتراف بشرعية الانتخابات والامتناع عن تنفيذ وعودها بتحقيق الحكم الذاتي(3).
3- برنامج «النقاط الست» عام 1966م:
برنامج «النقاط الست» كان خطة سياسية قدمها الشيخ مجيب الرحمن، زعيم حزب رابطة عوامي، في عام 1966م، كان الهدف المعلن من البرنامج تحقيق حكم ذاتي واسع لباكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) داخل إطار باكستان الموحدة، ولكن استعراضاً سريعاً لـ«النقاط الست» يبين أنه كان يريد انفصالاً كاملاً، فقد كانت كما يلي(4):
أولاً: حكم ذاتي شبه كامل.
ثانياً: السيطرة الكاملة لإقليم بنجلاديش على موارده الاقتصادية، بما في ذلك الضرائب.
ثالثاً: السيطرة الكاملة على التجارة الخارجية.
رابعاً: عملة خاصة ببنجلاديش.
خامساً: قوات مسلحة خاصة ببنجلاديش لحفظ الأمن.
سادساً: السيطرة على الشؤون الخارجية.
كانت هذه مطالب انفصال كامل لا حكماً ذاتياً كما كان يزعم واضعوها!
4- انتخابات عام 1970م القشة التي قصمت ظهر البعير:
في انتخابات عام 1970م، فازت رابطة عوامي بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة؛ مما أعطاها الحق في تشكيل الحكومة، بيد أن الحكومة المركزية في باكستان الغربية برئاسة الجنرال يحيى خان رفضت الاعتراف بهذه النتائج، وكانت تلك فرصة سانحة استغلتها لهند المتربصة بباكستان واهتبلها الانفصاليون البنغال.
وتمكن حزب رابطة عوامي بزعامة مجيب الرحمن من تحقيق هدفه الانفصالي، ولكن الكيان السياسي الذي ولد بعد ذلك -وأطلق عليه اسم بنغلاديش- كان مشوهاً سياسياً، ومن يومها تعيش بنجلاديش في أجواء سياسية واقتصادية وبيئية رديئة، لم تعرف البلاد ديمقراطية مستقرة حتى الآن، فقد بدأ الاستبداد على يد مؤسس الدولة مجيب الرحمن نفسه، الذي جمع السلطة المطلقة بين يديه، وأعلن حالة الطوارئ، واضطهد المعارضين السياسيين، وطبق علمانية اشتراكية متطرفة، وألغى كل الأحزاب ما عدا حزبه حتى أطاح به الجيش في انقلاب عسكري عام 1975م شهد مقتله ومقتل جميع أفراد عائلته عدا اثنتين من بناته، إحداهما الشيخة حسينة واجد، كانتا في ألمانيا آنذاك.
______________________________
(1) https://www.eh-exhibition.uni-bayreuth.de/en/Statistical-Tools11/index.html.
(2) M، A، Goni, The Bengali Language Movement: History and Ideology (Dhaka, 2006).
(3) M.S، Sinha, Pakistan’s General Elections, 1954 (Dhaka, 1980).
(4)Sheikh Mujibur Rahman, The Six Point Programme (Dhaka, 1966).