مما يثلج صدور المؤمنين المحبين لنبيهم الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، ومدارسة سيرته، واستعراض أحاديثه لملء شغف القلب، ورغبة العقل، وحرص النفس منها، خاصة في ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام وحسن الاحتفال بها عملياً.
وليس أحب في ذكرى مولده العطرة من أن نستقبل بعض رسائله القيمة والرقيقة والغالية، رسائل من الحبيب للمحبين عسى أن يلتقوه على الحوض وهم بوضع أفضل، هكذا قد أدهم الشرقاوي لكتابه «رسائل من النبي».
والكتاب يحتوي على 363 صفحة من الحجم المتوسط، طباعة دار كلمات، وهذا بعض ما جاء به:
1- بعض الأخطاء لا تغتفر:
لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، جاءه رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: «اقتلوه»، فقد عفا عن مكة كلها رغم ما قدمته إلا 6 رجال وامرأتين، منهم ابن خطل، كان أسلم ثم قتل صحابياً ظلماً، ثم عاد إلى مكة وارتد، وأخذ يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، بشعره، ثم اشترى جاريتين تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسبه.
بعض الأخطاء لا تغتفر، وليس دائماً عليك أن تصفع على خدك فتدير الآخر، ثمة ضربات يغفرها الرجال للرجال، فلا تخلو واقعة إلا وذاق بعضهم بأس بعض، ولكن ثمة نذالة يجب أن يدفع ثمنها.
2- فدارها تعش بها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لسمرة بن جندب: «إنما المرأة خلقت من ضلع، وإنك إن ترد إقامتها تكسرها، فدارها تعش بها، فدارها تعش بها».
الحب يوصلكما إلى العتبة فقط، ثم تبدأ الرحلة، وهي لا تحلو إلا بالتغافل، مؤذ وطارد للحب هو تصيد الأخطاء، ولا تستمر إلا بالتغاضي، تحملها مرة وتحملك مرة.
3- إن شر الناس عند الله من تركه الناس اتقاء شره:
احذر أن تكون شر الناس، أن يداريك أبواك وينتقيا كلامهما معك لأنك سليط، وأن تداريك زوجتك لأنك قاس، وأن يداريك أولادك لأنك جلف، وأن يداريك جارك لأنك بذيء، وأن يداريك زملاء العمل لأنك مؤذ، وأن يداريك جلساؤك لأنك نمام، وأن يداريك إخوتك لأنك غضوب.
4- إنها كانت تحب خديجة:
يقول أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالشيء قال: «اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت تحب خديجة»؛ فلم يكن يحب خديجة فقط، وإنما كان يحب من يحبها، ومخطئ من يعتقد أن إظهار الحب منقصة للرجولة، وهل يكون الرجل رجلًا إلا بمقدار ما يحب، ويلين، ويدلل، ويكرم؟
5- يا عائشة أحسني جوار نعم الله:
الذي لا يرى في الرغيف نعمة، فلن يرى في المائدة الممتدة، والذي لا يرى في البيت البسيط نعمة، فلن يرى النعمة في القصر المنيف، والذي لا يرى في قدميه نعمة، فلن يرى النعمة في السيارة الفارهة.
استشعار النعم مرتبط بنظرة المرء إلى قيمة ما يملك، وليس مرتبطاً بنظرته إلى ثمن ما يملك، فكلما صغرت النعم في عينيك تذكر: لقد استيقظت هذا الصباح لتغسل وجهك، وهناك من استيقظ ليغسل كليتيه.
6- فإني أسر إليك أمراً:
في غزوة «تبوك»، أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين، فلقى النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، فقال له: «فإني أسر إليك أمراً فلا تذكرنه، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان»، وكان عمر في خلافته إذا مات الرجل نظر إلى حذيفة، فإن صلى عليه صلى عمر، وإن لم يصل ترك الصلاة عليه.
السر أمانة فلا تكن خواناً، أسرار الناس للناس وإن كانت عندك، لا تكشف سراً ولو على قطع رقبتك، ولا تجعل صدرك بئراً يشرب منه كل الناس.
7- أم العيال وربة البيت:
روى ابن سعد في «الظلمات»: بعدما ماتت خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله، إني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة، فقال لها: «أجل أم العيال وربة البيت»، فقالت: أفلا أخطب لك؟ قال: «بلى، إنكن معشر النساء أرفق بذلك»، فخطبت له عائشة بنت أبي بكر الصديق.
في كل قلب جرح يظهر على الوجه رغماً عنه، كن لماحاً، أبسط العلامات سوف تخبرك بكل شيء.
8- هذه غدرة فلان:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً يحدثهم عن الوفاء: «إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان، لن يكمل الجميع معك الطريق إلى آخرها، بعض الناس في حياتك فترات، ما انتهى منها ليس لك فيه، احفظ لأيام الوصال حرمتها، ولا تنتهك الأسرار، ولا تبارز بنقاط الضعف، ولا تبك على اللبن المسكوب، اقلب الصفحة، وعش حياتك وامض ولا تلتفت، لا تنبش قبراً قد ردم، ولا تنزع قشرة جرح قد التأم، حاول أن تسعد بما تملك، وتمن السعادة للناس، لا تفسد قلبك بالضغائن، ولا تتلفه بمراقبة الراحلين عنك، اهتم بقلبك جيداً، فهو الوحيد الذي سيرافقك حتى آخر الطريق.
9- لقد قلت كلمة:
كانت أمنا عائشة جالسة يوماً مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: حسبك من صفية كذا وكذا؛ أي أنها قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته».
الكثير من التصرفات مرجعها إلى الطباع البشرية لا إلى الإيمان، فالإيمان لا يلغي الطبائع، وإنما يؤدبها.
عائشة جبل من الإيمان، ولكنها امرأة ومن الطبيعي أن تغار من ضرتها، ومن قبل كانت سارة جبلاً من الإيمان أيضاً، وقد غارت من هاجر حين تعلق قلب إبراهيم عليه السلام بها وابنها، الإيمان لا يقتل فينا نزعة الطين التي خلقنا منها، ولكنه يهذبها كي لا نتفلت، وإذا انفلتت أن ترجع سريعاً.