تتمتع إثيوبيا بتاريخ طويل ومعقد فيما يتعلق بالدين، حيث أدت دورًا مهمًا في تاريخ الأديان، فقد شهدت دخول المسيحية والإسلام إلى أراضيها؛ ما أثر على ثقافتها ومجتمعها بطرق عميقة عبر الزمن.
في هذا المقال، سنلقي نظرة على دخول المسيحية إلى إثيوبيا وتأثيرها الكبير على المجتمع، ونستعرض أيضًا العلاقة التاريخية بين المسيحية والإسلام.
1- دخول المسيحية إلى إثيوبيا:
وصلت المسيحية إلى إثيوبيا في القرن الرابع الميلادي خلال حكم الملك عيزانا الأول من مملكة أكسوم، وذلك بفضل المبشر السوري فرومينتيوس، بعد نجاته من غرق سفينة، وقد عمل مربياً في البلاط الملكي، وساهم فرومينتيوس في اعتناق الملك عيزانا للمسيحية؛ ما أدى إلى إعلان المسيحية كدين رسمي للمملكة وانتشار الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.
2- مملكة أكسوم كمركز ديني:
بعد تحول مملكة أكسوم إلى المسيحية، أصبحت مركزًا دينيًا بارزًا في القرن الأفريقي، مع علاقات وثيقة بالكنيسة القبطية في مصر، وتميزت هذه الفترة ببناء العديد من الكنائس والأديرة التي لم تكن مجرد أماكن عبادة، بل مراكز للتعليم؛ ما ساهم في تطور الفنون والعلوم في المجتمع الإثيوبي.
3- تأثير المسيحية على المجتمع الإثيوبي:
أصبحت المسيحية جزءاً لا يتجزأ من الحياة الإثيوبية، انعكست تقاليدها على الفن والموسيقى والهندسة المعمارية، وتطورت أنماط معمارية وثقافية تعبر عن الهوية الإثيوبية، بالإضافة إلى دورها الديني، كانت الكنيسة مؤثرة في الحياة السياسية؛ ما جعلها جزءًا لا يتجزأ من السلطة والنفوذ.
4- الهجرة الإسلامية الأولى إلى الحبشة:
في السنة الخامسة للبعثة النبوية، نصح النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، حيث وجدوا في حكم النجاشي ملاذًا آمنًا من الاضطهاد، حيث إن استقبال الملك النجاشي للمهاجرين المسلمين شكل أول اتصال مباشر بين الإسلام والحبشة؛ ما أسس لعلاقة قوية بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة.
5- تأسيس الدولة الإثيوبية الحديثة:
في عام 1887م، أسس الإمبراطور منليك الثاني الدولة الإثيوبية الحديثة بعد استيلائه على مدينة هرر، التي كانت مركزًا إسلاميًا تاريخيًا، خلال هذه الفترة، شهدت المدينة تحويل العديد من مساجدها إلى كنائس؛ ما أثار الجدل، لاحقًا، تولى هيلي سيلاسي الحكم ليصبح أحد أبرز القادة في التاريخ الإثيوبي الحديث.
6- صعود الإمبراطور هيلي سيلاسي:
ورث هيلي سيلاسي حكم هرر عن والده، وتم تعيين الج إياسو ولياً للعهد، حاول الج إياسو تحقيق التوازن بين المسيحية والإسلام، لكنه واجه معارضة شديدة انتهت بانقلاب أدى إلى هروبه، تولى هيلي سيلاسي الحكم بعد هذه الأحداث ليصبح رمزًا للوحدة الوطنية.
7- حكم هيلي سيلاسي (1930 – 1974):
بعد الإطاحة بالج إياسو، تولى هيلي سيلاسي الحكم واحتفظ به حتى عام 1974م، وخلال فترة حكمه، تمكن من الحفاظ على استقلال إثيوبيا من محاولات الاستعمار الإيطالي وعمل على تقوية العلاقات الدولية، كما شهدت الكنيسة توسعًا كبيرًا تحت رعايته، حيث أصبحت من أكبر المؤسسات في البلاد.
8- الحكم العسكري والمساواة الدينية:
في عام 1974م، جاء العقيد منجستو هيلي ماريام إلى الحكم بعد انقلاب عسكري، أدخل منجستو إصلاحات شملت الاعتراف بالمساواة بين المسيحية والإسلام لأول مرة في البلاد، شكل ذلك نقطة تحول مهمة بالنسبة للمسلمين في إثيوبيا، حيث تم إشراكهم في مختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية.
9- عهد مليس زيناوي وجبهة تحرير تيجراي:
في عهد مليس زيناوي، زادت التوترات بين الحكومة والمجتمع المسلم، خاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في عام 1995م على أيدي جماعات إسلامية متطرفة، أدت هذه الأحداث إلى تغير السياسة تجاه المسلمين، وتفاقم الوضع بين الطرفين.
10- عهد أبي أحمد (عام 2018م حتى اليوم):
تولى أبي أحمد، من قومية الأورومو (من أب مسلم وأم نصرانية)، منصب رئيس الوزراء في عام 2018م، شهدت فترة حكمه انفتاحًا سياسيًا ومشاركة واسعة للأقاليم الإسلامية في صنع القرار، كما أدى دورًا مهمًا في تعزيز المصالحات الإقليمية، مثل اتفاق السلام مع إريتريا في عام 2018م ودوره في توقيع الوثيقة الدستورية في السودان عام 2019م الذي أهَّله لجائزة «نوبل للسلام» للعام2019م.
لكن عهده لم يخل من التحديات، حيث دخلت إثيوبيا في نزاعات داخلية وخارجية، أبرزها أزمة سد النهضة مع مصر، وتوتر العلاقات مع إريتريا عقب المصالحة مع قومية التجراي.
ونزاعات داخلية: مع التجراي (2020 – 2022)، ومع حركة فانو (قبائل الأمهرة) من عام 2022م حتى اليوم التي وصلت للحدود مع السودان.
إن تاريخ إثيوبيا مليء بالتقلبات السياسية والدينية التي ساهمت في تشكيل هويتها المعاصرة، ويظهر من استعراض هذه الأحداث أن العلاقة بين المسيحية والإسلام كانت دائمًا جزءًا مهمًا من تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في إثيوبيا، واليوم، تستمر البلاد في مواجهة التحديات الكبيرة وهي تسعى نحو مستقبل أكثر استقرارًا ووحدة.