صدر مؤخراً كتاب خطير جداً وهو «ربيع الصيانيم» لكاتبه د. جاكوب كوهين، اليهودي المناهض للصهيونية، كتاب يتحدث عن الصهيونية العالمية وخصوصاً عن جهاز صنعه «الموساد»، من أجل توظيف طاقات «إسرائيلية» تتواجد في بلدان عربية خصوصاً، ليحققوا مشاريع الصهيونية العالمية لتدمير الشعوب واختراق الأنظمة العربية، وكله من أجل الحفاظ على المشروع الأم وهو الكيان الصهيوني.
يقول الكاتب جاكوب كوهين: مديـر «الموسـاد» مايـر عميت عام 1959م خطـرت لـه فكـرة اسـتخدام اليهـود الذيـن يعيشـون خـارج «إسرائيل» الشــتات كعمــلاء نفــوذ ودعايــة ودعــم واســتخبارات وتعــاون بجميــع أنواعــه، وســيكون هــؤلاء هــم ما تم إطلاق عليهم بالعربيــة «صيانيــم» بمعنــى «أولئــك الذيــن يتعاونــون»، وسـيعمل «الموسـاد» عـلى تجنيدهـم في كافـة المجالات الملهمـة من الحيــاة السياســية والجامعيــة والثقافيــة والإعلاميــة والأكاديمية والاقتصاديــة والماليــة والإعلانيــة والســينمائية والفنيــة وغيرهــا(1).
خطة «أبراهام» وإعادة نظام المنطقة.. ما الرابط بينهما؟
استشهدت بعبارات من هذا الكتاب؛ لأن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في «صفقة القرن» عام 2017م جاء بخطة «أبراهام» رفقة ترمب ودول عربية، وهو مشروع خبيث يستهدف الشعوب، وغايته وهو إعادة نظام المنطقة وإدماج الكيان الصهيوني فيها لتوظيف طاقاتها العسكرية والسياسية والأمنية والاستخباراتية والشبابية لتصفية المقاومة، حيث كانوا يريدون تطبيعاً كاملاً كما سماه ترمب، لدفع الشعوب والأنظمة العربية المطبعة إلى تهميش القضية الفلسطينية، بل والمضي إلى الدفاع عن الكيان الصهيوني.
هذه ما تسمى خطة «إعادة نظام المنطقة» أو ما سمتها الإدارة الأمريكية في عام 2021م بإدماج «إسرائيل» في المنطقة، الغاية هو الشعوب والمنطقة تصفيتها وتمزيقها وإضعافها، ثم المرور بسهولة لتصفية غزة وفلسطين والمقاومة بسهولة دون مشوشات، ولن يتأتى إعادة النظام إلا بمشروع اسمه خطة «أبراهام».
لكنهم فشلوا في ذلك، لأن معركة «سيف القدس» كانت كمدرسة أعادت نظام عقل الشعوب العربية والإسلامية، أما معركة «طوفان الأقصى» فكانت كألف مدرسة أعادت الوعي المطلوب وغرسته وجذرته في العقل والقلب؛ لذلك لا شك أن نتنياهو بعد فشله في ضرب «طوفان الأقصى» بعد سنة، سيعود للبحث عن الخلل في هزيمته، ففكر خارج الصندوق وخارج غزة، وظن من جديد أن تصفية غزة والمقاومة يبدأ من الخارج؛ أي من خلال إعادة نظام المنطقة؛ لأنه إذا تم ضرب الشعوب المناصرة الداعمة وجبهاتها، آنذاك يسهل الانفراد بغزة، لذلك عاد نتنياهو إلى إعادة طرح فكرة إعادة النظام في المنطقة.
إذن، الاحتلال الصهيوني منذ عام 2017م مع نشأة خطة «أبراهام» كان يفكر بمقاربتين لتصفية المقاومة:
1- إما البداية بإسقاط الأطراف الداعمة لفلسطين والمقاومة وهي والشعوب، بإعادة نظام المنطقة؛ أي صياغتها من جديد باختراقها، بتطبيع وخطة «أبراهام» لإضعاف شعوبها وأنظمتها، ثم المضي بعد ذلك إلى تصفية المقاومة وفلسطين.
2- أو إسقاط المقاومة مباشرة وفلسطين، ثم الانتقال إلى إعادة نظام المنطقة وإضعاف وشعوبها بعد ضرب مقدسها وهو فلسطين.
خطة «أبراهام».. والإعلام
بعد «الربيع العربي» وأحداث الانقلابات، تصاعد التطبيع ونخر جسم الأمة وصولاً إلى «صفقة القرن» التي صممت تطبيعاً مؤسساتياً ورسمياً يخترق أغلب مجالات حياة المجتمع العربي ونظامه الحاكم، والصفقة ركزت على الإنسان وعلى هويته وفطرته التي لن تضعف وتموت إلا بخطة خبيثة اسمها «أبراهام» تصيب العقل والقلب معاً، فكان الفن والدراما بوابة تغيير هوية الشعوب العربية والإسلامية وجهازاً لإعادة صياغة العقل العربي الرافض للتطبيع من خلال مسلسلات درامية، تحاول التأثير، لتتقبل العقول ذاك اليهودي الذي غادر من الخليج والمنطقة إلى الكيان الصهيوني، ثم يعود باسم «يهودي إسرائيلي» إلى بلده ليتعايش بسلام مع جذوره في البلدان العربية، علماً أنه في وعي العقل العربي والمسلم هو صهيوني مجرم يقتل الأبرياء ويحتل الأرض ويحقق الإبادة الجماعية.
فكان مسلسل «حارة اليهود» الذي عرض عام 2015م، إلى المسلسل السوري الشهير «باب الحارة» الذي صمموا الجزء السابع قصة حارة اليهود، وصولاً لما تعرضه بعض الشاشات العربية اليوم من مسلسلي «أم هارون»، ومسلسل «مخرج 7»؛ ذاك المسلسل الذي يرغب في توطيد فكرة جديدة في المخيال العربي المسلم الرافض لما يسمى «إسرائيل» من خلال حوار بين ممثلين قال أحدهم: «إسرائيل» بشر مثلك، «إسرائيل» موجودة سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم(2)!
خطة «أبراهام».. وتوظيف الفن
من أخطر مشاريع «أبراهام» تحقيق الإبادة الجماعية العقلية لشبابنا خصوصاً، نعم هناك إبادة جماعية في غزة لكن نتيجتها شهداء دون تمكن الصهيونية من أنفسهم وتدجينهم، أما الإبادة الجماعية العقلية والنفسية في شعوبنا، فهي تأتي على الأخضر واليابس، تخترق العقول والنفوس فتحولها إلى إلحاد أو شذوذ جنسي أو أرباب مخدرات ودعارة، آنذاك لن تحتاج الصهيونية إلى إبادة جماعية بسلاح جوي لتكون شهيداً في بلدك، بل إبادة عقلك ونفسك بسموم خطة «أبراهام»، لتكون بعد فساد فطرتك وهويتك أن تصبح جندياً تخدم الأجندة الشيطانية والصهاينة.
نذكر هنا بمشروع خبيث في دول عربية خصوصاً خليجية، وهو يخص مشروع التفاهة، جاء لتقمص الشباب وتلبسهم بفكرة الحرية والفن والرقص، إلى سموم تبث في هذه المهرجانات والأغاني حول تزييف كلام القرآن أو الغناء به مع الموسيقى، إلى كلمات وأغانٍ تقدس الشيطان والكيان الصهيوني والماسونية.
فضلاً عن ذلك أن هذا الأسبوع تحركت سفينة من فرنسا تحمل مشروع «أبراهام»، فوق سطحها، عبارة عن مجموعات غنائية وراقصة من أرباب الشذوذ الجنسي، والخطير أن هؤلاء الذين يغنون هم رجال لهم لحية، لكنهم يلبسون لباس النساء، بل يلبسون لباساً تراثياً قديماً شعبياً للتأثير في المجتمع المقصود شمال أفريقيا.
خطة «أبراهام».. ومستوى الدين والتربية
أما على مستوى الدين والتربية الإسلامية، فقد بدأت خطة «أبراهام» بمشروع أساس وهو استهداف التربية والتعليم منذ عام 2017م، وهما عمود كل بلد وشعب، فاختراق الإعلام والفن هو اختراق موسمي أو حسب حفلات التفاهة والتدجين والتمييع، أما اختراق التربية والتعليم فهو حضور المشروع الصهيوني وخطة «أبراهام» في كل ساعة، سواء في مدرسة ابنك أو كليته أو درسه في المسجد وحتى في بيتك يخترقك ويخترق أسلوب حياتك، لكن بدؤوا أولاً بتدمير منهجين في التربية والتعليم:
– منهج العلماء والدعاة من خلال اعتقالهم أو تهديدهم والهدف من القمع والحصار هو منع أي مشوشات ترفض تنزيل خطة «أبراهام» ونشر أفكار التطبيع الذي ينشر مشاريع الشذوذ الجنسي والإلحاد والمخدرات؛ وبالتالي بعد اعتقال العلماء وحصار الكلمة، كانت الساحة فارغة من أي مصدر يجلي حقيقة من حملوا مشاريع التفاهة والتمييع، وتغيير مناهج التربية، وحذف كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية والجهاد والتغيير.
فضلاً عن ذلك جاءت خطة «أبراهام» بمشروع صناعة مؤسسات العلماء المطبعة القابلة للتطبيع لتعوض مكان مؤسسات العلماء الصالحين المصلحين المعتقلين.
غايتهم من هذه الخطة «الأبراهامية» تغيير الدين الإسلامي الجامع للأمة، الفاضح للصهيونية، المحرك للطوفان في غزة بمشروع صفوة الحفاظ والقرآن، غايتهم دين «أبراهامي» كما يسمونه بدين دروشة وتطبيع، وقبول القاتل والاحتلال الصهيوني، بل والدفاع عنه باتفاقيات رسمية وناتو عربي «إسرائيلي» عسكري استخباراتي.
– منهج الدراسة والتعليم: جاءت خطة «أبراهام» بمشروع لتصفية التعليم من خلال تغيير مناهجه لا اختراقه بمعلومات مزيفة فحسب، بل جاءت قرارات من الكونغرس الأمريكي إلى بلد خليجي ليغير مناهج دراساته الإسلامية وفي الجامعات، بذريعة أن المنهج الدراسي المتبع لتلك البلاد يدعو إلى الديني الإسلامي المتشدد وإلى التطرف والإرهاب وضد الكيان الصهيوني والتعايش.
_____________________
(1) جاكوب كوهين، كتاب «ربيع الصيانيـم»، منشورات «المرصد المغربي لمناهضة التطبيع» الترجمة العربية، 2024م، ص 15.
(2) هدفهم هو تحقيق أهداف الدعاية والتضليل لتحقيق أهداف خبيثة في قلب الحقيقة لتحقيق أهداف التطبيع مع الكيان في عقل المشاهد العربي المسلم من خلال استخدام أسلوب فن الخداع الإعلامي، كمال قال جوزيف جوبلز: «اكذب حتى يصدقك الناس»، ومن أشهر كلمات جوبلز: «كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل»، التلاعب بالعقول من خلال الدعاية هو أول مشروع أبراهام لاختراق العقل العربي والمسلم وإعادة صناعته بمعلومات جديدة.