نزح الشاب الغزي شعبان أحمد الدلو مع عائلته من مكان إلى آخر لعله خلال عملية بحثه الطويلة يجد الأمان الذي بحث عنه كثيراً خلال أكثر من عام لعائلته، لقد عاش الكثير من المعاناة مثله مثل أبناء غزة وعائلاتهم حيث خاف كثيراً من القصف الوحشي الشديد، وعاش شهوراً صعبة خلال الحرب التي ما زالت نيرانها تشتعل.
من الصعب أن يتصور العقل الإنساني أن هذه الصواريخ تستهدف قطعاً من القماش تؤوي داخلها عائلة فيها أطفال أبرياء حُرموا من أبسط حقوقهم.
أسلحة فتاكة
وعند النظر إلى الدمار الهائل للأحياء التي اختفت ليس ملامحها فحسب، بل أبيدت كلياً، يؤكد جرائم الاحتلال وطبيعة الأسلحة المستخدمة، فهي لا تقتصر على أسلحة يمتلكها، بل تشترك بتزويدها العديد من الدول التي تعرف بتطويرها بصناعة الأسلحة الفتاكة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما؛ من طائرة «إف 35» التي تعتبر أكثر تقدماً، وإحداث دمار كبير في المناطق التي تستهدفها، بينما قنبلة المطرقة التي تزن 2000 رطل وتسبب ضرراً شديداً إثر انفجارها.
ومنها أيضاً رشاشات «النقب 7»، فإن ذخائرها تستطيع اختراق الجدران السميكة وإصابة أي هدف داخل المباني المحصنة، أما صواريخ «حيتس 3» فهي الأكثر تقدماً من نوعها في العالم، حيث يصل مداها إلى 2400 كيلومتر يتم توجيهها بوسائل الرؤية الإلكترونية، ويمكنها إصابة الأهداف خارج الغلاف الجوي للأرض.
ويتم استخدام منظار ذكي يستخدم أجهزة استشعار كهروضوئية، ويعمل على معالجة الصور بالذكاء الاصطناعي، لتتبع الأهداف بدقة ويمكن تثبيتها على جسم متحرك أو طائرة مسيرة وملاحقة أي هدف يتحرك بسرعة على الأرض أو في السماء.
وغيرها كالطائرات والأسلحة المتطورة والفتاكة التي يستخدمها الاحتلال في حربه على غزة.
هذه الصواريخ وغيرها استهدفت خيمة قريبي الشاب شعبان وعائلته، الأمر الذي أدى إلى احتراقه مع والدته داخل خيمتهما في دير البلح وسط قطاع غزة.
شعبان الذي كان يحلم بأن يكون مهندساً، خاصة أنه كان طالباً جامعياً في كلية الهندسة التي شهدت مقاعدها تميزه وتفوقه الملحوظ، كان جميل الأخلاق وحافظاً للقرآن الكريم، ويشهد له تميزه وتفوقه بين أقرانه.
شعبان ليس رقماً يضاف إلى قائمة الشهداء الطويلة؛ بل هو حكاية موجعة جعلت القلوب تعتصر قهراً وظلماً، كان الأكبر لإخوته، فكان خير معيل لعائلته في مساعدتهم في توفير الاحتياجات الأساسية من الماء الذي كان يحمله من مسافات طويلة، وتوفير ما يمكن من الطعام رغم قلته.
خاض العديد من الحروب في هذه الحرب التي لم تكن واحدة، فقد عاش معاناة النزوح كثيراً حتى استقرت به الحال مؤخراً في خيمة بساحة مستشفى.
وكذلك خاضت أمعاؤه حرب الجوع، فقد شهد مجاعة ما زالت حاضرة، اشتهى بها الكثير من الطعام فقد حرم من أبسط الأشياء.
وحرب الخوف كانت حاضرة، فقد شهد حرباً طويلة استخدم فيها الاحتلال كل وسائل الخوف والظلم والقهر والدمار على قطاع غزة.
رحيل مؤلم
رحل مع والدته آلاء، ليس لمن تبقى من عائلتهما التي أصابت أجسادهم بالحروق الخطيرة؛ بل لقطاع غزة كافة، فالوجع أكبر من أن تصفه، فصواريخ الاحتلال لم تحرق شعبان ووالدته فحسب، بل حرقت قلوبنا جميعاً.
لا أعلم كيف لمن تبقى من عائلة شعبان التي ما زالت أجسادهم مولعة بالحروق الخطيرة العيش بعد تلك الليلة الموجعة التي حرقت قلوبهم كما حرقت أجسادهم.
حتى حينما تنتهي الحرب، كيف لذلك الوجع أن ينتهي؟! كيف لأبيه وإخوته العيش بعد أن عجز الجميع على إنقاذهما؟! فالنار كانت لهيبها أكبر بكثير من الإمكانيات البسيطة لإطفائها.