إثيوبيا ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، ويشكل المسلمون نسبة كبيرة في هذا البلد الذي دخل إليه الإسلام قبل المدينة المنورة، واستقبل خيار الصحابة وتضم بعض بقاعه أجسادهم الطاهرة، لكن هذا العدد الكبير من المسلمين يكاد أن يكون كماً مهملاً في مجال التعليم الإسلامي الأكاديمي المنظم؛ لذا كانت الحاجة ماسة لمؤسسة تعليم عالي تجمع بين الأصالة والمعاصرة والتميز، وتستجيب للنوازل، وتلبي حاجيات ومتطلبات العصر، وتعمل على حفظ الهوية الإسلامية، وتسد الفجوة التعليمية بين أبناء المسلمين، وتنمي وتطور المجتمع المسلم، ليسهم إيجاباً في محيطه المحلي والإقليمي والعالمي.
تلك المقدمة المليئة بالتاريخ الإسلامي لإحدى دول شرق القارة السمراء والمعبأة بالأمل لمسلمي إثيوبيا، كانت لنائب رئيس أول جامعة إسلامية بإقليم الصومال الإثيوبي شرقي البلاد، حاول من خلالها د. محمد أحمد عبدالغفار، نائب رئيس الجامعة للشؤون العلمية (جامعة راسو الإسلامية)، أن يرسم توطئة لصرح إسلامي وليد على خارطة بلاد الحبشة، استعرض فيه نشأة وتطور الجامعة من خلال رؤية إدارتها وإستراتيجية القائمين على أمر الجامعة من مجرد حلم كان يراودهم إلى واقع يتشكل الآن وفق إستراتيجية طموحة.
النشأة والتطور
وحول نشأة وتكوين جامعة راسو الإسلامية، تحدث رئيس الجامعة محمد غني سكل قائلاً: إنه منذ ضربة البداية لانطلاق العمل بالجامعة اختطت الإدارة مسارين متكاملين لمشروعين كبيرين وهدفين محورين، هما البناء الإداري والأكاديمي للجامعة، موضحاً، في مقابلة مع «المجتمع»، أن هذا المسار يمثل مشروع القرن لمسلمي إثيوبيا عامة وسكان إقليم الصومال خاصة، ووجدوا فيه الفرصة السانحة والأمل المرجو لتأهيل أبنائهم تأهيلاً جامعياً ومعرفياً يعوض ما افتقدوه من غياب للتعليم العالي في العلوم الشرعية واللغوية.
وأشار غني إلى أن إدارة الجامعة بدأت بكلياتها الثلاث؛ القرآن الكريم وعلومه، والشريعة والعلوم الاجتماعية، واللغة العربية وآدابها، إضافة لمعهد اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأردف: تضم الجامعة الآن دفعتين في هذه التخصصات، ويقوم بالتدريس في هذه الكليات أساتذة أكفاء من أبناء الإقليم وغيرهم.
وراسو التي سميت عليها الجامعة إحدى المدن الرئيسة في إقليم الصومال الإثيوبي شرق البلاد، أحد الأقاليم الإثيوبية الـ12، وحاضرته مدينة جيجيغا ( 620 كلم عن أديس أبابا)، وشهدت المدينة، في سبتمبر الماضي، حفل كرنفال بهيج لتخريج نحو 400 حافظ وحافظة للقرآن الكريم.
وراسو التي تعرف أيضاً بمدينة العلم والعلماء، يوجد بها مركز «دار القرآن» لتحفيظ القرآن الكريم والتربية الإسلامية، قبل أن يصبح مؤخراً جامعة راسو، حيث يتلقى الطلاب رحيقاً معرفياً من العلوم الشرعية في الفقه والحديث، والتفسير، والقراءات، والأصول، واللغة العربية، لبناء جيل يحمل هَمَّ الدعوة إلى سماحة ووسطية الإسلام.
إستراتيجية الرؤية والموقع
وعلى قمة جبل النور بمدينة راسو، انتصبت قلعة للعلم والمعرفة وفق رؤية إستراتيجية باسم جامعة راسو الإسلامية، وقال رئيس الجامعة مفاخراً بهذا الإنجاز: إن هذا الصرح العظيم هو الحلم الذي ظل يراود الرعيل الأول من علماء مدينة راسو، فقد وضعوا نصب أعينهم هدفاً عظيماً وهو إقامة مدينة علمية جامعية جامعة تحتل قمة أولوياتهم، لافتاً إلى أنها تقع على قمة جبل النور في الجزء الغربي لمدينة راسو، وشمال وادي العقيق، بإقليم الصومال الإثيوبي.
وتابع غني: هذه تسميات جاءت تيمناً بأسماء بقاع طاهرة ارتبطت بمعلم البشرية صلى الله عليه وسلم، وأن العمل في هذا البناء انطلق بنفرة مباركة تسابق فيها إلى الخيرات جميع أبناء المدينة رجالاً ونساء قبائل وعشائر، ساهموا بأموالهم وأنفسهم وتبعهم أبناء الإقليم المنتشرون في كل أنحاء العالم بدعم سخي وعطاء جزيل بدأت ثماره تظهر ببداية شموخ مباني كليات الجامعة على قمة جبل النور.
وظلت إدارة الجامعة في عمل دؤوب من أجل تحويل ما خططت له برؤية وروية إلى واقع ملموس تنفيذاً ومتابعة لتحقق الحلم بتأسيس الجامعة وانطلاق الدراسة، وبعزم وتصميم لإضافة كليات وتخصصات جديدة في مجالات الاقتصاد والإدارة والحاسوب وغيرها لتتكامل الأدوار ويمتد العطاء المعرفي المتدفق، وفق إفادة رئيس الجامعة.
وتطرق إلى التحديات، وقال: نسعى إلى التغلب على تجاوز التحديات من غياب المثال والنموذج المحلي في مجال الجامعات الإسلامية وقلة الكادر المحلي المؤهل بالاستعانة بإخواننا وأشقائنا من الدول الإسلامية مثل السودان واليمن وغيرهما.
وأردف: رسالتنا عبر هذه الإطلالة هي دعوة نفرة لكل جهود أبناء الإقليم الصومالي في الداخل والخارج والإخوة في الدول العربية والإسلامية أن يطلعوا على هذه التجربة؛ ليسهموا في دعم مسيرتها من أجل تحقيق حلمنا بأن نرى جامعة راسو راسية على قمة جبل النور ترسل الضياء والعلم والمعرفة لكل أبناء المسلمين.
فيما أشار نائب رئيس الجامعة للشؤون العلمية إلى أن الجامعة قامت على أساس متين قوامه تجميع جهود حثيثة، امتد لعشرات السنين، قدمه ثلة من أصحاب الفضيلة العلماء وعلى رأسهم فضيلة العالم الجليل الشيخ عبدالقادر شيخ إبراهيم شيخ عبدالصمد الذي غرس هذا الغراس وكانت ثمرته اليانعة وقطافه الطيب جامعة راسو التي توجت جهود علماء دار تحفيظ القرآن الكريم، وقبل ذلك حلقات العلم والمعرفة بالمساجد لينتظم كل ذلك إطار أكاديمي عصري حديث.
الآمال والطموحات
تعد جامعة راسو أول جامعة إسلامية في إثيوبيا تنال رخصة التسجيل والاعتماد من الجهات الحكومية المختصة، وذلك في 19/ 9/ 2023م لتنطلق هذه المسيرة المباركة مؤذنة بفجر ساطع ومدونة لتاريخ جديد للإسلام في هذه البلاد تكون فيه هذه الجامعة منارة سامقة تنشر العلم والمعرفة، وتشكل علامة فارقة في مسيرة التعليم في إثيوبيا، وفق حديث محمد أحمد عبدالغفار لـ«المجتمع».
وبدأت الجامعة مسيرتها في عامها الأول بثلاث كليات (القرآن الكريم وعلومه، الشريعة الإسلامية، اللغة العربية)، لتحقيق رؤية ورسالة الجامعة القائمة على الريادة والتميز في مجال العلوم الإسلامية وإيصال رسالة الإسلام الوسطية السمحة عبر إعداد الكوادر العلمية المؤهلة في ذات التخصصات.
وتطمح الإدارة في إنشاء كليات جديدة في التخصصات المادية والأكاديمية والعلمية الأخرى ودراسات الدبلومات الفنية والتقنية والمعاهد المتخصصة في مجال اللغتين العربية والإنجليزية، فضلاً عن إقامة مدينة سكنية للطلاب والأساتذة بما يحقق الاستقرار ويدعم التوسع الرأسي والأفقي، ويبرز التميز وصولاً إلى رحاب آفاق العالمية.