لا يمكن لعاقل أن يفرح بالدماء المصرية التي تسفك على مدار الساعة تحت مسميات مختلفة، فالدم المصري حرام، بل الدم الإنساني أياً كان انتماء صاحبه حرام, وفي القرآن الكريم (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ( المائدة:32).
لا أستطيع أن أهضم قتل العشرات يومياً بمن فيهم النساء والأطفال تحت دعوى أنهم إرهابيون أو تكفيريون، ولا يقبل العقل أن تنهض الفانتوم والأباتشي في ملاحقة سيارات السياح بدعوى الحرب على الإرهاب، وفضلاً عن ذلك فإن تهليل صحف الانقلاب وتطبيلها لعمليات القتل تبدو غير لائقة، وتشبه من غنوا “تسلم الأيادي” على إيقاع قتل الآلاف في رابعة والنهضة ورمسيس والفتح وأكتوبر ودلجا وناهيا وكرداسة وغيرها!
الانتقام الرخيص أو الثأر الوحشي الذي يتجاوز الحدود رداً على رفض المواقف أو الآراء التي يتبناها الانقلابيون الدمويون الفاشيون غير مقبول تحت أيّ مسوغ من مسوغات الأذرع الإعلامية أو الإقليمية أو الدولية.
بأي منطق أقتل الابن أو البنت، وأعتقل الأب والولد، وأحكم عليهما بالإعدام أكثر من مرة في محكمة، وبالمؤبد مكرراً في أكثر من محكمة أخرى، ثم أوجه للرجل الذي تعدى السبعين تهماً من قبيل قطع الطريق في أكثر من مكان في وقت واحد؟!
لماذا أعاقب وزيراً ناجحاً اسمه باسم عودة بالحبس الاحتياطي وأحكم عليه بمثل الأحكام الغليظة المتقدمة؛ لأنه رفض أن يتولى الوزارة في نظام عسكري انقلابي؟
ثم بعد ذلك أفاجأ ببعض المنسوبين إلى الحركة السلفية ينسبون إلى رافضي الانقلاب أنهم يسقطون الدولة أو يسقطون مصر؟ الشيخ محمد حسان وهو في طريقة للاستمتاع بزيارة الحرمين الشريفين ومقابلة المسؤولين هناك والبعد عن “وجع الدماغ” في أرض الكنانة، يصدر تصريحاً أو بيانا نشرته “المصريون” في موقعها (17/ 9/ 2015) يشيد فيه بالملك ويمدحه لأنه أمر يصرف مليون ريال لمن ماتوا في الحرم بسبب الرافعة بعد أن يقدم تعازيه الخالصة للأمة الإسلامية ولخادم الحرمين الشريفين في شهداء بيت الله الحرام، وثمّن الشيخ كما يقول البيان لفتة خادم الحرمين التي تفضل بها على أولئك الذين توفاهم الله وعلى أسرهم وعلى المصابين منهم بمنحه أسرة المتوفى مليون ريال سعودي ونصف مليون ريال سعودي للمصاب.
أمر طبيعي أن يتوجه حسان إلى خادم الحرمين بالثناء، وألا يستكثر المبلغ الذي أمر به للمتوفين والمصابين، ويبدو أنه لم يعلم أن حكومة الانقلاب التي يؤيدها دفعت للقتيل المكسيكي الواحد من قتلى الصحراء الغربية 12 مليوناً تعويضاً عن القتل الخطأ، ولم تدفع للضحايا المصريين وفيهم من أيد الانقلاب شيئاً، وربما تدفع ما يقل عن ثمن عجل بتلو إذا فكرت في الدفع لأن المصري لا ثمن له!
أما النصيحة التي يشير إليها فهي مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج:28)، ولا يكون ذلك إلا بالحوار والنقاش والدعاء على الظالمين وأعوانهم والساكتين عنهم أو الموالين لهم سراً!
ولا أظن أن المطالبة بالحرية أو منهج الله والعدل والحق كما ذكر هو يسقط مصر، إن الذي يسقط مصر هو استئصال الإسلام والظلم والانتقام الرخيص والثأر الوحشي والقتل خارج إطار القانون؛ أي الاغتيال في البيوت أو مقرات الشرطة أو الشوارع والميادين بحجة كاذبة هي مقاومة السلطات، والمحاكمات بتهم ملفقة والمبالغة في الأحكام من قبيل أن المتهم بالتظاهر يسجن من خمس إلى عشر سنوات، بينما من قتل قرابة ألف متظاهر يحكم بالبراءة ويعود إلى مقعده، فضلاً عن أحكام الإعدام للمئات الذين تجاوزوا الألفين!
الذي يسقط مصر هو العنصرية الفجة التي تخالف منهج الله وتقسم الوطن قسمين، من يؤيد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي عدو الإسلام والمسلمين هو الصالح، ومن يعارضه ويتمسك بدينه ولا يؤمن بنبوة قادة الانقلاب هو المواطن الطالح الذي يجب قتله في بيته أو الشارع، وحرمانه من وظيفته ومداهمته في مكتبه أو داره أو الطريق، الذي يسقط الدولة هو محاربة الشعب واستخدام الطائرات الفانتوم والأباتشي والدبابات والمدرعات والمدفعية ضده، مع التهجير القسري وهدم المدن والقرى لتشديد الحصار على الأشقاء وخدمة العدو الصهيوني.
إن مواجهة ما يسمى الإرهاب لا تنجح إلا إذا عولجت أسبابه، وأهل سيناء جزء من الشعب المصري، ولم يحدث هناك عمليات عنف إلا بعد الانقلاب الذي هجّر واعتقل وأعلنها صريحة أنه حريص على حماية الجيران!
منذ ثورة يناير إلى ما قبل الانقلاب وإسقاط الشرعية وخطف الرئيس مرسي لم يكن هناك إرهاب! كان الحديث بعد الانقلاب عن إرهاب محتمل! وكان قائد الانقلاب يكرر أنه لا يمكن محاربة أهل سيناء لأن العواقب ستكون وخيمة، وفجأة انقلبت الأحوال، حرب غريبة في سيناء، وحوادث عنف في أرجاء مصر تتخللها حوادث محترفين فوق طاقة من يُتهمون عادة بالإرهاب (تفجيرات أمن المنصورة، والقاهرة واغتيال النائب العام مثلاً)، ولم نتعرف حتى اليوم إلى المتهمين الذين قاموا بهذه العمليات، بعضهم دخل تحت غطاء حظر النشر، وبعضهم من الطلاب نراهم يخرجون للاعتراف تلفزيونياً على طريقة التمثال اعترف يا أفندم!
منهج الله والعدل والحق لبناء الأوطان كما يقول محمد حسان، ولكن أين هي يا مولانا يا من لم تستنكر ما جرى من قتل الآلاف في رابعة وأخواتها، ولم تردد شيئاً عن الدماء المعصومة، وهو ما فعله قبلك حزب اللحى التايواني الذين راحوا يبررون ويسوغون قتل المسلمين، وزادوا على ذلك التشهير بهم كما فعل أحدهم مؤخراً وهو يتهم كذباً الرئيس مرسي – فرج الله كربه وفك أسره – بأنه وافق على اتفاقية تبيح الشذوذ والزنا أقرتها الأمم المتحدة، بينما الاتفاقية تعود لعهد السادات؟!
مصر تتوضأ بالدم الحرام، ولذلك فصلاة حكومتها غير مقبولة، وصلاة من يؤيدونها ويشجعونها بالموافقة أو الصمت باطلة.. قولوا لمن تستهويه شهوة الدم تب إلى الله، وإلا فلن تنجو من بعض الرذاذ، والله عادل حرم الظلم على نفسه!
الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!