مشكلة الناس اليوم أنهم يحكمون على الظاهر فقط دون تحقق أو تروٍّ، ويقومون بتغييب إحسان الظن، والتماس الأعذار، ولربما بالغوا في “الظن” لدرجة أنهم يحكمون على النوايا التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
قصة عبر “الفيسبوك” نالت استحساني، فتأملوها..
القصة من مذكرات السلطان “مراد الرابع”، أحد الخلفاء العثمانيين، يقول: إنه حصل له في ليلة ضيق شديد ﻻ يعلم سببه؛ فنادى لرئيس حرسه وأخبره، وكان من عادته تفقد الرعية متخفياً، فقال: لنخرج نتمشى قليلاً بين الناس، فساروا حتى وصلوا حارة متطرفة، فوجدا رجلاً مرمياً على اﻷرض فحركه السلطان، فإذا هو ميت والناس يمرون من حوله وﻻ أحد يهتم، فنادى عليهم تعالوا وهم ﻻ يعرفونه، قالوا: ماذا تريد، قال: لماذا هذا الرجل ميت وﻻ أحد يحمله؟ من هو؟ وأين أهله؟ قالوا: هذا فلان الزنديق شارب الخمر والزاني، قال: أليس هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ فاحملوه معي إلى بيته، ففعلوا، ولما رأته زوجته أخذت تبكي، وذهب الناس وبقي السلطان ورئيس الحرس، وأثناء بكائها كانت تقول: رحمك الله يا ولي الله، أشهد أنك من الصالحين، فتعجب السلطان مراد، وقال: كيف يكون من اﻷولياء والناس تقول عنه كذا وكذا، حتى إنهم لم يكترثوا لموته؟! قالت: كنت أتوقع هذا، إن زوجي كان يذهب كل ليلة للخمّارين يشتري ما استطاع من الخمر ثم يحضره للبيت ويصبه في المرحاض ويقول: أخفف عن المسلمين، وكان يذهب إلى من تفعل الفاحشة يعطيها المال ويقول: هذه الليلة على حسابي، أغلقي بابك حتى الصباح، ويرجع ويقول: الحمد لله خففت عنها وعن شباب المسلمين الليلة!
فكان الناس يشاهدونه يشتري الخمر ويدخل على المرأة فيتكلمون فيه، وقلت له مرة: إنك لو مت لن تجد من يغسلك ويصلي عليك ويدفنك، فضحك وقال: ﻻ تخافي، سيصلي عليَّ سلطان المسلمين والعلماء، فبكى السلطان وقال: صدق والله، أنا السلطان مراد، وغداً نغسله ونصلي عليه وندفنه، وكان كذلك، فشهد جنازته مع السلطان العلماء والناس!
في قصص السلف الذين عرفوا معنى “حسن الظن”، وطبقوا حديث: إياكم والظن” أمثلة رائعة، روي عن أحدهم أنه قال: لو رأيت رجلاً على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى، لقلت: إنه يقرأ الآية، ولو وجدت في رجل رائحة خمرِ، لقلت: ربما سُكبت عليه!
ولما سمع أحدهم قول الشاعر كعب بن زهير: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول! قال: لعل سعاد زوجته! أتوقع اليوم لو سمعنا رجلاً يتأوه على “ليلاه”، لقالوا: بلِّغوا الهيئة!
هي دعوة لأن نحسن الظن بالآخرين ونلتمس الأعذار، قبل أن نحكم على مقطع مجتزأ، أو سطر من مقال، أو صورة لا ندري ما خلفيتها! خصوصاً في عصر أدوات الإعلام الجديد، حيث تنتشر الإشاعة، والكتابات والمقاطع الملفقة! فلنتق الله تعالى في عباده!