فيما لا يزال قطاع كبير من الجزائريين يعتقد أن معركة الحجاب مع الدوائر الرسمية بدأت تهدأ وتأخذ منحى التصالح مع الداعين لإبعاده عن المصالح الحكومية والوثائق الرسمية، خاصة في ظل ظهور الحجاب المتبرج الذي نزع الهيبة عن هذا اللباس الشرعي، أثبت تحقيق أجراه موقع “دوتشيه فيليه” في الجزائر، أن الحجاب لا يزال يزعج المسؤولين، وحتى أصحاب المؤسسات الخاصة، سيما مع تنامي ظاهرة التطرف، وظهور ما يسمى بـ”داعش”، ما دفع إلى إقصاء عدد من الجزائريات اللواتي يشتغلن في المجالات التي تستقطب الأجانب من عملهن، أو دفعهن إلى خلع الحجاب.
وأشار “دوتشيه فيليه” في بداية التحقيق إلى أن المرأة المحجبة في الجزائر لم يكن لها الحظ في العمل في الميدان الإعلامي ومجال الطيران والفندقة والأجهزة الأمنية، لتتسع الدائرة وتشمل قطاعات أخرى، نافياً أن يكون الأمر يتعلق بالكفاءة، يحدث هذا في الوقت الذي لم تسن الجزائر حتى الآن قانوناً يمنع ارتداء الحجاب، وهو ما دفع الأحزاب السياسية والحقوقيين إلى مخاطبة السلطات العليا في البلاد للنظر في قضية حظر الحجاب في الجزائر، على اعتبار أنه عائق للتعامل مع الأجانب.
طرق غير مباشرة للعقاب
ونقلت وسيلة الإعلام الألمانية الناطقة بالعربية، شهادة فتاة تدعى سميرة، متخرجة في كلية الإعلام والاتصال، حيث تم التضييق عليها من قبل مدير مؤسسة إعلامية عندما ارتدت الحجاب، مطالباً إياها بخلعه لتستمر في عملها، وعندما رفضت ذلك، أجبرها بطريقة غير مباشرة على تقديم استقالتها، والتحقت سميرة بمؤسسة أخرى، ولكنها تعترف أن الفرص التي تنالها المرأة غير المحجبة، أفضل من الفرص المتاحة للمحجبة.
كما اضطرت فتاة أخرى تدعى نعيمة إلى ترك عملها في شركة خاصة، حيث كانت تعمل مترجمة لثلاث لغات، واستبدلت بمترجمة أخرى عندما قررت أن ترتدي الحجاب، وعن هذه الحادثة، قالت: رفضت من عملي بسبب حجابي، قبلاً كان المدير راض عني، وكان يأخذني حتى في رحلاته إلى مختلف أنحاء الوطن، إلا أنه رفضني لمجرد أنني ارتديت الحجاب، وقالها لي صراحة وبالحرف الواحد: أنا أستقبل زبائن أجانب وبحجابك هذا سوف يخافون من التعامل معك.
والظاهر أن عدداً من القطاعات منعت الحجاب من تلقاء نفسها، باستثناء الأجهزة الأمنية التي تفرض نوعاً خاصاً من اللباس، غير أنها لا تجبر الموظفات على عدم ارتدائه خارج أوقات الدوام.
وللتعرف على أسباب منع الحجاب في بعض المؤسسات والقطاعات، وما إذا كان الدافع من وراء ذلك الخوف من نفوذ الإسلاميين، أو أن الأمر له علاقة مباشرة بمتطلبات التسويق وكذا العلاقات العامة، سألت المؤسسة الإعلامية الألمانية الخارجية، بعض أرباب العمل، فقال السيد محمد، وهو رئيس مؤسسة اقتصادية مختصة في التصدير والاستيراد: إنه لا يمانع في فتح مجال العمل للمحجبات؛ لأنه يحترم الحريات الشخصية، على أن يكون عددهن محدوداً، مضيفاً: وذلك ليس لشيء، وإنما كوني أتعامل مع زبائن من كل الطبقات والديانات والدول، ولذا وحتى أكون صريحاً وأقولها بكل صراحة، أنا أوظف المحجبات لكن يمكن عدهن على الأصابع.
وبرّر سمير شايبي، مدير الموارد البشرية في إحدى المؤسسات المختصة بالفندقة، عدم تفضيله للمحجبات، لكون القطاع الذي يعمل فيه يتعامل كثيراً من الأجانب، موضحاً أن رفض الحجاب ليس له علاقة بالدين، وإنما لكون بعض المسلمين شوهوا صورة الإسلام، الأمر الذي جعل الأجانب يتوجسون خيفة من كل ما له علاقة بالإسلام.
رأي الأحزاب والناشطين
وللوقوف على رأي الأحزاب السياسية، والناشطين في حقوق الإنسان، في منع الحجاب داخل المؤسسات العمومية والخاصة، وما إذا كان الأمر يتعلق بالتطرف الآخذ في الانتشار في الساحل، أم لأسباب اقتصادية يتوجب مراعاتها، أخذت “DW عربية” رأي رئيس حزب النهضة الإسلامي، حديبي محمد، الذي ربط الموضوع بإرادة سياسية ومحاولات تطرفية وتمييز ومحاولة لجعل الجزائر بلد لائكي رغم أن الدين الإسلامي هو دين الدولة الجزائرية، مضيفاً أن بعض الدول الإسلامية تقوم بتطبيق الإسلام، وتشجع الحجاب، ومع ذلك تملك اقتصاداً قوياً، ومناطقها السياحية تستقطب الأجانب.
وذكر رئيس حزب النهضة أنه وجه مراسلة باسم حزبه للوزير الأول، لإيجاد حل لهذه المشكلة، وحماية المحجبات اللواتي يتعرضن للضغوطات داخل مؤسسات العمل.
وقالت رئيسة المنتدى الجزائري لسيدات الأعمال، خديجة بلهادي: إن إجبار المرأة العاملة على التخلي عن حجابها، أو منعها من العمل يتعارض مع حقوق وحرية المرأة، ولذلك ينبغي على الدولة الجزائرية أن تتحرك لردع كل من يقوم بالتضييق على المحجبات، وإتاحة الفرصة لهن للعمل بحجابهن، مضيفة أنها لدى زيارتها العديد من الدول الأوروبية، شاهدت نساء محجبات يشتغلن في أرقى المناصب، في الوقت الذي يمنع الحجاب في المؤسسات الأجنبية العاملة في الجزائر لأسباب أيديولوجية، مشجعة المرأة المحجبة على فرض نفسها في الأماكن التي تشتغل فيها.
ورأى الإعلامي والباحث الاقتصادي الدولي عبدالرحمن عبدالمطلب، أنه من الأفضل للمؤسسات التي تقوم بإقصاء المحجبات من العمل، أن تولي اهتماماً للكفاءات بما يعود بالفائدة على مؤسساتها وعلى المجتمع، بدل أن تركز على قضية الحجاب، وتفوت على نفسها الاستفادة من الخبرات، مؤكداً أن بريطانيا وألمانيا لا تضعان أي قيود تجاه ارتداء الحجاب في الجامعات أو المؤسسات الحكومية، حيث نرى نساء كأعوان للأمن يرتدين الحجاب وتقلدهن أيضاً مناصب إدارية مع إعطاء حرية ارتدائه في الجامعات والمدارس، وهو مثال كافٍ لما يجسد فعلاً الحرية والمستوى الذي وصلت إليه.
واعترف رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، فاروق قسنطيني، أن تكون هناك نساء محجبات تعرضن للمضايقات وتوجهن للقضاء لإيداع شكواهن ضد من أرباب العمل، ولذلك آن الأوان لأن تتحد النساء اللواتي تعرضن لمضايقات من هذا النوع.
ومن جهته، أيد الخبير الاجتماعي أحمد تريكي هذا الكلام، موضحاً أن السكوت عن مثل هذه المضايقات هو ما جعل رقعتها تتسع على اعتبار أن المجتمع الجزائري يعتبر كل امرأة ترفع قضية مهما كان شكلها أمام القضاء خروجاً عن العرف والتقاليد.