للمرة الأولى منذ استقلال دولة جنوب السودان، يوليو 2011م، تعلن الحكومة عن مجاعة في أجزاء من أحدث دولة أفريقية، مرجعة ذلك إلى التداعيات الاقتصادية للحرب الدائرة بين الحكومة والمعارضة، حيث فاقمت معاناة المواطنين بما سببته من ارتفاع في الأسعار وندرة المواد الغذائية.
وبالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، نشرت الحكومة المركزية في العاصمة جوبا، أول أمس الإثنين، بياناً عن الوضع الغذائي أظهر أن 40% من السكان، البالغ عددهم قرابة 8 ملايين نسمة (وفق أحدث إحصاء رسمي عام 2010م)، مهددين بخطر المجاعة، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة.
البيان المشترك أوضح أنه إذا تم توفير المساعدات الغذائية العاجلة، فإن الوضع الغذائي سيتحسن خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وسبق أن حذّرت منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في جنوب السودان، خلال عام 2016م، من تدهور الوضع الغذائي.
وواجهت الحكومة المركزية تلك التحذيرات بالنفي، رغم إعلان حكام ولايات “نمورنجانق” (جنوب شرق)، و”أمادى” (جنوب غرب)، و”الوحدة” (شمال غرب)، عن نقص حاد في الغذاء؛ ما اضطر مواطنين إلى اللجوء دول الجوار: أوغندا، وكينيا، والكونغو، وإثيوبيا والسودان.
5 ملايين متضرر
وقال أزايا شول أرواي، رئيس جهاز الإحصاء المركزي في جنوب السودان، في تصريح لـ”الأناضول”: إن أجزاء واسعة من ولاية الوحدة تعاني من خطر المجاعة؛ بسبب الحرب التي يعيشها البلد.
أرواي مضى قائلاً: إن هذه الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية، بجانب ضعف الإنتاج الزراعي جراء عدم الاستقرار.
وعن أعداد المهددين بالمجاعة، أوضح: تشير تقديراتنا الإحصائية إلى أن 4.9 مليون مواطن يواجهون نقصاً في الغذاء على امتداد البلد.
ووفق تقارير دولية، من المتوقع أن يبلغ عدد المهددين بالمجاعة في جنوب السودان 5 ملايين شخص، أي أكثر من 60% من إجمالي السكان.
اتهام حكومي للمعارضة
من جهته، قال أتينج ويك أتينج، المتحدث باسم الرئاسة: إن الحكومة، بقيادة رئيس الجمهورية، سلفاكير ميارديت، ليست مسؤولة عن وجود مجاعة في أجزاء من البلد، وإنما المتمردون، بقيادة (النائب السابق للرئيس) ريك مشار، هم من يتحملون مسؤولية ترويع المواطنين وتشريدهم من مناطقهم الأصلية، ونهب ممتلكاتهم.
ومنذ عام 2013م، تشهد دولة جنوب السودان جولات من حرب أهلية قبلية بين قوات سلفاكير (قبيلة الدينكا)، وقوات مشار (قبيلة النوير)، أحدثها دارت بالعاصمة، في يوليو الماضي، وأسقطت أكثر من 200 قتيل، وشردت قرابة 36 ألفاً آخرين في البلد الذي يعاني انهياراً اقتصادياً منذ 3 أعوام.
خطة مساعدة دولية
وتشكو المنظمات العاملة في المجال الإنساني من تعرضها لمضايقات من قبل الحكومة في مناطق أعالي النيل (شمال شرق) وإقليم الاستوائية (جنوب)؛ مما أعاق إمكانية إيصال المساعدات الغذائية إلى المواطنين في تلك المناطق، التي تشهد مواجهات مستمرة بين الحكومة والمعارضة؛ ما أدى فرار حوالي 20 ألف شخص إلى الغابات؛ بحثاً عن الغذاء في منطقة “واو شلك”، بأعالي النيل.
وقال مكتب تنسيق العمليات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في جنوب السودان: إنه بصدد تدشين خطة للاستجابة للوضع الإنساني الحرج، بالتعاون مع شركاء التنمية وأكثر من 30 منظمة دولية.
المكتب أوضح، في بيان وصلت “الأناضول” نسخة منه، أن خطة المساعدة تستهدف استقطاب أكثر من مليون و600 ألف دولار أمريكي لتوفير الغذاء لما يزيد عن 5 ملايين شخص، مهددين بالمجاعة.
لا زراعة دون استقرار
ووفق د. بيتر شان، وهو خبير في الزراعة والأغذية بجنوب السودان، فإن الوضع الغذائي لن يستقر إذا لم يتم إحلال السلام بشكل كامل.
وأردف شان أن أغلب المواطنين في المناطق الريفية يعتمدون على الزراعة في موسم الأمطار بجانب الرعي، الذي يتطلب الاستقرار.. حالياً توجد حركة نزوح داخلي كبيرة من مناطق الصراع في أعالي النيل إلى إقليم بحر الغزال (غرب)، وبات النازحون يتقاسمون المخزون الغذائي مع مجتمعات تلك المناطق، التي تعيش حالة من الاستقرار النسبي، ومع انعدام المساعدات اضطر الكثير من السكان في إقليم بحر الغزال إلى دخول الأراضي السودانية، بسبب نفاد مخزونهم من الغذاء أيضاً.
ويعانى سكان المدن الرئيسة في جنوب السودان من مشكلات معيشية كبيرة؛ جراء موجة الغلاء، وتراجع سعر العملة المحلية (الجنيه) بصورة كبيرة أمام الدولار في السوق الموازية (غير الرسمي)، حيث بات الدولار الواحد يساوي 12 جنيهاً، ومع ضعف القوة الشرائية للجنيه، أصبح العديد من الأسر تعيش على وجبة واحدة في اليوم.
وتواجه جنوب السودان خطر المجاعة رغم أن عدد سكانها قليل نسبياً (بعض التقديرات تفيد ببلوغهم 12.3 مليون نسمة في عام 2016م)، فضلاً عن أنها استحوذت، عند الانفصال، على نحو 75% من الثروة النفطية للسودان قبل الانفصال؛ ما وفر لجوبا واردات بـ10 مليارات دولار.
كما أنها تملك ثروة حيوانية مهمة، على رأسها الأبقار، التي تقدر بأكثر من 11 مليون رأس، إضافة إلى ثروات مائية وغابية وزراعية، وخاصة الفواكه الاستوائية مثل المانجو، لاسيما وأن مساحتها تفوق مساحة فرنسا، وتقارب 620 ألف كلم مربع.