كم من صحيح لم يكترث لهموم أمته، وكثر هم العرب الذين أطلقوا أشرعة سفنهم للاحتلال الصهيوني ووالوهم، لكنه الشيخ القعيد صاحب همة بحجم الأمة، وحده من بدأ بالتغيير في زمن الاستسلام والخنوع؛ ليحمي كرامة شعبه وأمته.
فعمله الدؤوب، وهمته العالية، وغراسه المثمر، ها هو اليوم يخرج جيلاً لم يرض الخنوع، ونفض عن نفسه غبار الذل، ليذل الاحتلال في كل ساح.
تمر اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين، ونستعرض خلال ذكراه محطات مهمة في حياته الحافلة بمسيرة العطاء والإنجازات.
درس النكبة
ولد الشيخ الشهيد المجاهد أحمد إسماعيل ياسين في قرية الجورة قضاء مدينة المجدل عام 1936م، ومات والده وعمره لم يتجاوز ثلاث سنوات.
وحينما وقعت نكبة فلسطين عام 1948م كان ياسين يبلغ من العمر12 عاماً، وهاجرت أسرته إلى غزة، مع عشرات آلاف الأسر التي طردتها العصابات الصهيونية.
قبل الهجرة التحق الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين بمدرسة الجورة الابتدائية وواصل الدراسة بها حتى الصف الخامس حتى النكبة التي ألمت بفلسطين وشردت أهلها عام 1948م.
في السادسة عشرة من عمره تعرض شيخ المجاهدين أمير الشهداء أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه عام 1952م، ولم يخبر أهله عن أصل الحادثة لمنع حدوث أي مشكلات عائلية.
أنهى الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين دراسته الثانوية، ونجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته.
مسيرته
شارك الشهيد الشيخ الرمز وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956م، وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة.
كانت مواهب الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة؛ الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965م، اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية.
شيخ الانتفاضتين
اعتقل الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين على يد قوات الاحتلال الصهيوني عام 1982م، ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة وأصدرت عليه حكماً بالسجن 13 عاماً، لكنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985م في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال الصهيوني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة.
بعد اندلاع الانتفاضة الأولى 8/ 12/ 1987م، قرر الشيخ الشهيد المجاهد الرمز أحمد ياسين مع عدد من قيادات جماعة الإخوان تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم “حركة المقاومة الإسلامية” المعروفة اختصاراً باسم “حماس”، وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك واشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الوقت والشيخ ياسين يعتبر الزعيم الروحي لتلك الحركة.
مع تصاعد أعمال الانتفاضة وتصاعد قوة “حماس” وإقدامها على تنفيذ عمليات مسلحة منها اختطاف جنديين صهيونيين عام 1989م اعتقلته قوات الاحتلال بتاريخ 18 مايو 1989م مع المئات من أعضاء حركة “حماس”.
16 أكتوبر 1991م، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكماً بسجن شيخ المجاهدين الشهيد الرمز مدى الحياة إضافة إلى 15 عاماً أخرى.
اضطر الاحتلال للإفراج عن الشيخ الشهيد الرمز فجر يوم الأربعاء 1/ 1/ 1997م بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن والاحتلال يقضي بالإفراج عن الشيخ الشهيد المجاهد الرمز مقابل تسليم عميلين صهيونيين اعتقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في عمَّان، قبل أن يعود إلى غزة ويخرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين لاستقباله.
وخرج الشيخ الشهيد المجاهد الرمز أحمد ياسين في جولة علاج إلى الخارج، زار خلالها العديد من الدول العربية، واستقبل بحفاوة من قبل زعماء عرب ومسلمين ومن قبل القيادات الشعبية والنقابية، ومن بين الدول التي زارها السعودية وإيران وسورية والإمارات.
وعمل الشيخ المجاهد الشهيد الرمز على إعادة تنظيم صفوف حركة “حماس “من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وشهدت علاقته بالسلطة الفلسطينية فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحياناً إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
شيخ انتفاضة الأقصى
وخلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000م، شاركت حركة “حماس “بزعامة أمير الشهداء الشيخ ياسين في مسيرة المقاومة الفلسطينية بفاعلية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها ، وبناء جهازها العسكري، حيث تتهم سلطات الاحتلال الصهيوني “حماس” تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية، وظلت قوات الاحتلال الصهيوني تحرض دول العالم على اعتبارها حركة إرهابية وتجميد أموالها.
وبسبب اختلاف سياسة “حماس” عن السلطة كثيراً ما كانت تلجأ السلطة للضغط على “حماس”، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية.
وبالإضافة إلى إصابة الشيخ الشهيد المجاهد الرمز ياسين بالشلل التام، فإنه كان يعاني من أمراض عدة منها فقدان البصر بصورة كبيرة في العين اليمنى بعد ضربه عليها أثناء التحقيق وضعف شديد في قدرة الإبصار للعين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن، حساسية في الرئتين، أمراض والتهابات باطنية ومعوية.
راحة الخلود
وقد حاولت سلطات الاحتلال الصهيوني بتاريخ 6/ 9/ 2003م اغتيال الشيخ أحمد ياسين وبرفقته إسماعيل هنية حينما استهدف صاروخ أطلقته طائرات حربية صهيونية مبنى سكنياً كان يتواجد فيه.
إلا أن صباح مدينة غزة، لم يكن عادياً فجر الإثنين 22/ 3/ 2004م، حينما اغتالت طائرات الحقد الصهيونية الشيخ أحمد ياسين وسبعة من مرافقيه، حينها لم يصدق أحد ما تتناقله وسائل الإعلام عن خبر استشهاد الشيخ أحمد ياسين.
رحمك الله شيخنا المؤسس، وحسبنا أنك انتقلت لجوار ربك شهيداً وقد أعياك المرض في حينها، إلا أن الله اصطفاك شهيداً، وحسبك في جوار ربك أنك تركتك خلف جيلاً قسامياً لا يزال يذيق العدو الموت الزؤام في كل جولة ونزال.
المصدر: موقع “القسام”.