يطرح كتاب “التعليم الديني في المغرب تشخيص واستشراف”، أسئلة شائكة حول مناهج التعليم الديني في البلاد، قبل أن يرد عليها بإجابات “غير تقليدية”.
ويستخلص مجموعة من الباحثين المغاربة الذين شاركوا في إعداده، نتيجة واحدة وهي أن إصلاح الأجيال وتأهيل أناس لقيادة التنمية والنهضة يتطلب بالفعل تغييراً في المناهج.
ويتضمن الكتاب الذي أصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة (غير حكومي)، في جزأين يتجاوزان أكثر من 600 صفحة، عدداً من المحاور ساهم فيها باحثون في الدراسات الإسلامية والفلسفة وعلم الاجتماع.
ويلامس الكتاب، الذي طرح الأسبوع الجاري، عدداً من التحديات خاصة أنماط التدين الوافد، وأسئلة حول عدم التمييز على أساس ديني، والانشغال بعلاقة الثوابت الدينية وبالقيم الكونية.
الكتاب ينطلق من مقاربة تعتبر أن المتن التعليمي ليس بعداً معرفياً أو بعداً أخلاقياً فقط، ولكنه أيضا قيم ومواقف وتفاعل مع المتعلم لتشكيل شخصيته معرفياً وسلوكياً، سواء على مستوى رؤيته لنفسه أو لحياته أو للكون.
وعلى هذا الأساس تُولي وجهة النظر هذه أهمية أكبر لموضوع القيم في منظومة التعليم باعتبارها أهم مدخل للولوج إلى عالم المعرفة وإعداد جيل قادر على ربح رهانات التنمية والنهضة.
يسعى الكتاب، حسب ناشره، إلى معالجة محتوى مناهج، وبرامج التعليم الديني بمنهجية تزيل أي تصادم بين مكونات الهوية الوطنية والدينية واللغوية والإثنية.
وتؤكد أغلب الدراسات، التي يتضمنها الكتاب، ضرورة التشبث بصيانة تلاحم مقومات الهوية الوطنية للمملكة المغربية كدولة إسلامية ذات سيادة كاملة، موحدة بانصهار كل مكوناتها والغنية بروافدها.
وفي دراسة بعنوان “التعليم الديني بالمغرب المفهوم والمسار”، يذهب الخبير التربوي المغربي خالد الصمدي (تم تعيينه هذا الشهر وزيراً للتعليم العالي) إلى أن تجديد مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي لا ينفك عن الأسئلة الكبرى ذات الصلة بأزمات التربية والتعليم في هذه البلدان.
ويرى أن أي طرح لسؤال التجديد في المناهج يصطدم بأسئلة كبرى من قبيل: هل تملك جل بلدان العالمين العربي والإسلامي رؤية إستراتيجية واضحة لنظام التربية والتعليم تأخذ بعين الاعتبار أصولها الحضارية وعمقها التاريخي وتواصلها الحضاري مع الآخر وفي نفس الآن حاجاتها التنموية المعاصرة؟
ويضيف: إذا كان كثير من بلدان العالم الإسلامي تعاني من شح الموارد الاقتصادية، فهل تملك الخيار المستقل لبناء نظام تربوي مستقل؟
وهل هناك مشاريع حقيقية للتعاون بين دول العالمين العربي والإسلامي من أجل بناء نظام تربوي وتعليمي متكامل في الرؤى والمخططات والتمويل؟
ويرى الصمدي أن هذه الأسئلة الكبرى، التي تثار عادة في الملتقيات الدولية مع قصور ظاهر في الأجوبة العملية عليها، أكبر دليل على وجود أزمة بالفعل في الجسم التعليمي العربي والإسلامي.
وضمن الكتاب يعتبر الباحث في مجال التربية والتكوين عبدالله بوغوتة أن عملية إصلاح الأجيال تستوجب تفعيلاً سليماً للمناهج، وهو ما يقتضي إعداد أطر مؤهلة مهنياً وأخلاقياً.
وذهب إلى أن الواقع التربوي بمستجداته المتسارعة والمتحولة يتطلب إعادة النظر ومساءلة مناهج وأساليب وطرق تأهيل مدرسي التربية الإسلامية، معترفا أننا لم نقف بعد على أرض صلبة في اختياراتنا الكبرى في هذا المجال.
ويرجع هذا بالأساس، حسب الباحث، إلى التنازعات السياسية التي تتجاذب مجال التربية والتأهيل والتي ينبغي إنهاؤها بإرجاع الأمر إلى أهله من ذوي الاختصاص.
في الجزء الأول من الكتاب، يتناول الباحثون محاور من قبيل: خريطة التعليم الديني بالمغرب، ودور التعليم الديني في تعزيز منظومة القيم وحماية الأمن الروحي، والتعليم العتيق ودور القرآن بين حفظ الموروث ومقتضيات التجديد.
فيما يتناول الجزء الثاني عدة أسئلة بينها: التربية الإسلامية بالثانوي الإعدادي والتأهيلي أزمة مضامين أم أزمة تطبيق؟ التعليم الديني بمؤسسات التعليم العالي الجامعي، نحو منهجية جديدة لتجديد البراديغمات (النموذج الفكري) المؤسسة وفق حاجة الواقع، إضافة إلى محور خاص بالتعليم الديني اليهودي والمسيحي مقاربات أولية.
في موضوع حماية الأمن الروحي؛ يرى الباحث يوسف محمد بناصر، في دراسة له حول “التعليم الديني بين حماية الأمن الروحي والانفتاح على العالم المعاصر”، أن هذا الجيل لا يكفيه منهاج تربوي واحد ليكون حجته وسلطانه أمام ما يتعرض له من هجمة شرسة لا هوادة فيها.
ويدعو الباحث إلى إحداث منظومة واضحة وحاكمة ومتشعبة بالقيم، ويشارك في بنائها والعمل بها جميع المتدخلين السياسيين والتربويين والاجتماعيين والإعلاميين حتى لا يتعرض الجيل الصاعد للتغريب والانسلاخ من بيئته وثقافته وقيمه الروحية والوطنية.
ويختتم الكتاب بإعلان الرباط، الذي يؤكد فيه الباحثون أهمية التعاطي المتأني والهادئ والتشاركي في إصلاح مناهج ومقررات وبنيات التربية الإسلامية والعلوم الشرعية، ضمن إطار يتكامل مع باقي روافد التربية والتأهيل.
ويرون أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا ضمن مبدأ وحدة المعرفة وخيار تكامل العلوم، في ظل الحاجة إلى التخصص القادر على استئناف مسيرة الاجتهاد الشرعي والتجديد الفكري والتحديث التقني والمؤسساتي، وفي إطار الثوابت والمقومات الجامعة والانفتاح على روافد الحكمة الإنسانية والقيم الكونية النبيلة.