إن مساعدة المعسر، ومؤازرة المحتاج، وإغاثة الملهوف، تعد من أفضل أعمال البر التي يتقرب بها المسلم إلى الخالق سبحانه وتعالى ويرجى ثوابها في الدنيا والآخرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً..” (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني).
وقد ضرب أهل الكويت الكرام حكاماً ومحكومين، حكومة وشعباً، أمثلة رائعة في دعم المعسرين ومساعدة المحتاجين وإعانة الملهوفين.
وفي هذا المعنى تأتي هذه القصة التي يرويها العميد متقاعد فهد عبدالعزيز المخيزيم في كتابه “كويت الماضي” تحت عنوان: أسماء في سجل الشرف، ص95 تحت عنوان “طرفة النوخذة المشهور في بر العدان والمعروف باسم (أبو عنكورة)”: في عهد الشيخ أحمد الجابر رحمه الله سُن قانون الغواصين وكان مكوناً من 51 مادة تنظم عمل الغوص بما في ذلك الأمور المالية والسلف (السلف: الدين) والتسقام: نسبة من المال يدفعها النوخذة إلى بحارته بعد عودتهم كعربون للذين يتفق معهم على صحبته في موسم الغوص للسنة التالية، وإجراءات العمل في سفينة الغوص ومرض البحار ووفاته والديون التي تكون بذمته، وكذلك حالات عجز البحار عن العمل، فكان قانوناً شاملاً وافياً لكل ما يهم ذلك المجال الحيوي ذلك الوقت.
يستطرد العميد فهد المخيزيم قائلاً: وأذكر من المواقف الطريفة التي ما زالت باقية في الذاكرة رغم مرور السنين، أذكر هذه المحاورة التي تمت بين الشيخ أحمد الجابر عليه رحمة الله وأحد نواخذة بر العدان وهو معروف باسم “أبو عنكورة”، ففي أحد مواسم الغوص رزق النوخذة أبو عنكورة قماشة باعها بثمن كبير وكان سهم الحكومة منها مبلغ مائتي روبية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، وقام أبو عنكورة بدفع المبلغ المستحق عليه إلى الحكومة، وفي الموسم التالي عاد أبو عنكورة من الغوص خالي الوفاض ولم يجد ما يسد به دينه، فقال لمن معه من الرجال: إنه سيذهب إلى الشيخ أحمد الجابر (حاكم البلاد في ذلك الوقت) ويشكو له الحال، وبالفعل ذهب من فوره إلى مجلس الحاكم، وعندما رآه الشيخ بادره قائلاً: “إيش عندك يا أبو عنكورة”، فرد النوخذة بفطرته وبساطته المعهودة: “لا تعنكر.. غيصكم عليه رادي ميتين روبية”؛ (أي مائتي روبية)، وهو يقصد أن سهمكم عليه مرتجع 200 روبية.
فضحك الحاكم وقال للنوخذة: غيصنا لا يأكل ولا يشرب يا أبو عنكورة (باعتبار أنه شخصية معنوية لا حقيقية)، فقال الرجل بنفس البساطة: “لما أهو لا يأكل ولا يشرب.. إشلون خدتوا عليَّ مائتين روبية؟”، فضحك الأمير وعرف أن النوخذة لم يربح شيئاً من غوص ذلك الموسم، وما كان من الشيخ أحمد الجابر رحمه الله إلا أنه أمر بدفع مبلغ مائتي روبية إلى النوخذة أبو عنكورة ليواجه بها ظروفه المعيشية.
وهكذا جسد لنا الشيخ أحمد الجابر رحمه الله نموذجاً رائعاً لدور الحاكم ودور الحكومة أو السلطة العليا في البلاد في دعم التجار والنوخذة المعسرين، ومساعدة من تصيبهم أزمة أو فاقة أو نائبة من نوائب الدهر.