عبر حقل من الألغام، يحاول الطفل اليمني يونس إبراهيم (14 عاماً) وشقيقيه بسام (11 عاماً) ويوسف (9 أعوام) الوصول إلى مدرستهم، في حي حبيل سلمان جنوب غربي مدينة تعز (جنوب غرب).
منذ شهرين، عادت الدراسة في مدرسة “الشيخ إبراهيم عقيل”، لكن المدرسة تحيط بها عشرات الألغام، مزروعة بشكل عشوائي؛ ما جعل الكثير من الأهالي يعزفون عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، التي تضم المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
لكن في النهاية استسلم الأهالي لإعادة فتح المدرسة المدمرة، فأغلب مدارس المدينة أغلقت أبوابها أمام أطفالهم، إذ إن البعض يعاني ازدحاماً شديداً، والآخر يسكنه نازحون من الريف؛ جراء الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات.
خطر يومي
ويقول إبراهيم علي، والد الأطفال الثلاثة، لوكالة “الأناضول”: “لم أجد مدرسة أخرى تستقبلهم، ولهذا اضطررت إلى إلحاقهم بمدرسة الشيخ إبراهيم عقيل، رغم المخاطر التي قد يتعرضون لها”.
ويوضح أن “الطرق التي يمر منها الأطفال إلى المدرسة ما تزال مزروعة بالألغام، رغم أن الفرق الهندسية التابعة للقوات الحكومية، التي تسيطر على المدينة، أجرت مسحاً في وقت سابق لنزعها”.
وتابع: “أخاف عليهم (الأطفال) فعلاً من تعرضهم للألغام، فالكثير من أبناء الحي أُصيبوا بتلك الانفجارات، ولا أتمنى أن أشاهد أحد أطفالي معاقاً”.
خط سير
بحذر يحاول قرابة 950 طالباً أن يسلكوا طريقاً واحداً إلى المدرسة، فالخروج عن خط سيرهم قد يكلّفهم حياتهم، وهذا ما يحذرهم منه يومياً الآباء ومدير المدرسة، عبدالغني الحيدري.
ويقول الحيدري لـ”الأناضول”: إن المدرسة كانت مزروعة بشكل كثيف بالألغام، إبان السيطرة عليها من قِبل مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثي) وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس السابق، علي عبدالله صالح (1978-2012م)”.
ويضيف: “كانت المدرسة موقعاً عسكرياً، وكان يُمنع الاقتراب منها؛ نظراً لكثافة الألغام المزروعة فيها، لكننا حاولنا مسح الطرق المؤدية إليها والساحة الرئيسة في المدرسة، ونعتقد في الأغلب أن الخطر قد زال رغم مخاوف الأهالي”.
ويشير إلى أن “أحد الألغام انفجر حينما كان الفريق الهندسي يعمل على مسح ساحة المدرسة، دون أن يسفر الانفجار عن ضحايا”.
لكن رغم ذلك يقر بأن “الخطر ما يزال باقياً، فالفناء الخلفي للمدرسة يحوي عشرات الألغام، ولذلك صنع عدد من أهالي المنطقة جداراً صغيراً لتحذير الأطفال، لعله يفصلهم عن المناطق الخطرة”.
ويشدد مدير المدرسة على أن “الأطفال رغم ذلك لا يعون كثيراً معنى الألغام، ونخشى أن يتسلل أحدهم إلى هناك”.
نقص الإمكانيات
ويومياً، يحرص الحيدري على مراقبة الأطفال، لاسيما في أوقات الاستراحة، ويقول: “نسعى إلى استمرار التعليم في ظل هذه الظروف، ونخشى أنه إذا تسببت الألغام في سقوط ضحايا فستكون تلك ذكرى مؤلمة للمدرسة وللأطفال”.
وحول عدم نزع الفرق الهندسية للألغام في المنطقة الخلفية من المدرسة، يقول: إن “الفريق الهندسي لا يملك إمكانيات تمكنه من مواصلة عمله، خصوصاً أن المنطقة تحوي أشجاراً، كما أن الألغام زُرعت بشكل عشوائي”.
و”رغم المخاطر فإنه حتى اليوم لم يسجل أي حادث من انفجار لغم في المدرسة”، حسبما يقول الحيدري.
ويدعو مدير المدرسة الفرق الهندسية في القوات الحكومية، ومنظمة الصليب الأحمر، إلى العودة لنزع الألغام بشكل كامل، وإعادة إعمار المدرسة المدمرة بفعل الحرب التي شهدتها، في النصف الأخير من عام 2015 والنصف الأول من عام 2016.
آلاف الألغام
بينما لا يزال العالم يحتفل بيوم الطفل، الذي يوافق 20 نوفمبر سنوياً، يشبّك يونس يومياً أصابع يديه في أصابع شقيقيه خلال عودتهم إلى المنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي، ويسلكون ممرات ملتوية، لتفادي خطر المتفجرات، التي ربما قد يكون أحدها مزروعاً في طريقهم.
ويناشد يونس، الذي يدرس في الصف الثاني من المرحلة الإعدادية، وأقرانه المنظمات الدولية مساعدتهم في التخلص من الألغام، ليحظوا بفرصة لممارسة أنشطتهم المدرسية بحرية دون مخاوف.
ويحرص الآلاف من الأطفال في مدينة تعز المحاصرة من قِبل الحوثيين وقوات صالح، منذ أغسطس 2015، على أن يحظوا بفرصتهم لتلقي تعليهم، وإن كانت في ظل ظروف حرجة وبالغة القسوة.
وتتهم الحكومة اليمنية مسلحي الحوثي وصالح بزرع الآلاف من الألغام والمتفجرات في أحياء ومنازل بالمدينة.
وتقول الحكومة: إنها سجلت مقتل 420 شخصاً، وإصابة 430 آخرين؛ بسبب الألغام، منذ اندلاع الحرب الأهلية، مطلع عام 2015.
وتسببت الحرب، المدعومة من دول إقليمية، في مقتل وجرح قرابة خمسين ألف شخص، وتشريد نحو ثلاثة ملايين، وبات 21 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة إلى مساعدات، وفق تقديرات الأمم المتحدة.