تماماً كما غنت نجاة الصغيرة قبل عقود بكلمات حسين السيد تزداد الشكاوى من انشغال الناس بعضهم عن بعض، بجوالاتهم وألواحهم ودردشاتهم عبر مواقع التواصل، منذ أن أصبحت شبكة النت مشاعا.
وحدد المختصون مؤشر الإدمان بأنه «استخدام الإنترنت لأكثر من 38 ساعة أسبوعياً»؛ ويعتبر هذا المؤشر قليلا جدا اليوم، حيث أن الكثيرين يخصصون غالب أوقات يقظتهم للعكوف على منصات التواصل.
وإذا كانت شبكة الإنترنت أتاحت للناس التواصل عبر “فيسبوك وتويتر وسناب تشات وأنستجرام ووتساب ومسنجر”، فإنها قطعت تواصلهم وأرحامهم فيما بينهم، حيث تجد أفراد الأسرة مجتمعين بشخوصهم في مجلس واحد لكن الصمت يخيم عليهم، فكل واحد منهم مقبل على جواله أو لوحه وهو يبحر في عالم آخر.
هنا تحولت مواقع التواصل من وسائط إيجابية تتيح التعارف، إلى جدر فاصلة بين الأم وابنها وبنتها، بل وتحولت لهاروت وماروت شيطاني بابل اللذين ذكر القرآن أنهما فتنة وأنهما يفرقان بين المرء وزوجه.
لقد أصبح الإدمان على الإبحار مشكلة اجتماعية: فكم من زوجين يولي أحدهما ظهره للآخر وهما على السرير، لأن كلا منهما منشغل بدردشاته الخاصة.
وكم أدت رسائل وصور متبادلة على و”تساب” لتدمير حياة أسرة بكاملها ولتيتيم أطفال بسبب تشكك أم في زوجها أو أب في زوجته؟
يقول محمد سالم، الطالب في جامعة نواكشوط «ليس هناك حل لمشكلة الإدمان على الإنترنت، لقد خرجت المسألة عن السيطرة تماما».
وتقترح خديجة بنت محمد، طالبة الماجستير «عقد مؤتمر دولي حول الإدمان على النت واتفاق أمم العالم على نظام ترشيدي لهذه الخدمة التي أصبحت مدمرة».
لا توافق صديقتها تربه بنت العالم، على حرمان الناس من النت أو التحكم فيه « اتركوا للناس حرياتهم، فإن أرادوا الإدمان أدمنوا وإن أرادوا الراحة استراحوا؛ إنكم تتدخلون في حياتهم».
الشيخ أعمر، إمام مسجد في حي كوسوفو جنوب نواكشوط يعتبر «أن النت أعظم شيطان عرفته البشرية. فهو نظام يشيع الفاحشة عبر المواقع الإباحية، إنه، هجوم من الكفار على العالم الإسلامي لغزوه وإثارة غرائز وشهوات شبابه ونسائه».
هذه النظرة المتحاملة الغاضبة على الإنترنت تقابلها آراء أخرى مرحبة بهذه الخدمة وتعتبرها أعظم نعمة عرفتها البشرية؛ فهذه منظمة الصحة العالمية تؤكد في «التقرير العالمي حول التشيخ والصحة» الذي أصدرته مؤخرا، أنه «بالنظر إلى المستقبل لا إلى الماضي فإن التغيرات التكنولوجية ترافق تشيخ السكان، وتخلق الفرص التي لم تكن متاحةً أبداً في السابق، وعلى سبيل المثال، فإن الإنترنت يمكن أن يؤمن استمرار الاتصال بالعائلة رغم المسافات، وإتاحة المعلومات يمكن أن توجِّه المسن في رعايته لنفسه أو توفر الدعم للقائمين على رعايته، والأجهزة المحمولة صارت توفر فرصاً جديدة لرصد الصحة والرعاية الصحية المصممة وفق احتياجات الشخص».
الطفل الموريتاني سيديا ولد إبراهيم يقول «أن الإنترنت توفر للأطفال مجالا واسعا للألعاب وقضاء الوقت الممتع وهي ضرورة لا غنى عنها».
وأكدت صحيفة «الدايلي ميل» البريطانية في موضوع تطرقت فيه لمنافع ومضار الإنترنت «أن علماء اكتشفوا خطورة الهواتف المحمولة لأنها تجعلنا نمشي بسرعة أقل مع خطوات مبالغ فيها لتجنب العقبات التي يصعب رؤيتها بسبب تركيز النظر في شاشات هذه الهواتف».
ويقول هؤلاء العلماء «إن هذا التغيير في الخطوة يمكن أن يسبب مشكلات في الظهر والرقبة على المدى الطويل» ويرى دكتور ماثيو تيميس المؤلف الرئيسي لدراسة أجريت في جامعة أنجليا روسكين في كامبريدج «أن خطوات المشي صارت بسرعة أقل مع خطوات طويلة، مشابهة لخطوات شخص في الثمانينيات من العمر».
هكذا يعيش عالمنا بين محنة ومنحة الإنترنت متلمسا بصعوبة بالغة طريقه نحو المخرج السليم من ورطة التأرجح بين مضار ومنافع هذه الخدمة.
ويظل المخرج السليم في ذلك هو التحكم في الوقت المخصص لهذه الوسيلة التي أصبحت لا غنى عنها مثل الأوكسجين، بما يضمن الاستفادة من إيجابياتها والابتعاد عن السلبيات، تطبيقا لقاعدة «لا إفراط ولا تفريط».