عانى السجناء في الستينيات من المعاملة السيئة وقسوة حراس السجن، وكان أحد السجناء يدعى «شميدث» يحصل على امتيازات جيدة ومعاملة حسنة من قبل الحراس، مما جعل بقية السجناء يتهمونه بأنه عميل مزروع بينهم، وكان يقسم لهم: إنه سجين مثلهم وليس له علاقة بالأجهزة الأمنية، لكنهم لم يصدقوه، وقالوا له: لو كنت كذلك.. فلم يعاملك حراس السجن بأسلوب مختلف عنا؟
فقال لهم شميدث: حسنا.. أخبروني ماذا تكتبون في رسائلكم الأسبوعية لأقاربكم؟
فقال الجميع: نذكر لهم في رسائلنا قسوة السجن والظلم الذي نتكبده هنا على أيدي الحراس القساة.
فرد عليهم باسماً: أما أنا.. ففي كل أسبوع عندما أكتب رسائلي لزوجتي، أذكر في السطور الأخيرة محاسن السجن والحراس ومعاملتهم الجيدة هنا، وأحياناً أذكر أسماء بعض الحراس الشخصية في رسائلي وأمتدحهم.
فرد عليه أحد السجناء: وما دخل هذا كله بالامتيازات التي تحصل عليها وأنت تعلم أن معاملتهم قاسية؟
فقال: لأن جميع رسائلنا يقرؤها الحراس قبل أن تخرج من السجن، ويطلعون على كل صغيرة وكبيرة فيها، فعندما يقرؤون الثناء عليهم يسعدون ويحسنون معاملتي، فغيروا طريقة كتابة رسائلكم.
وبعد مضي أسبوع، وبعدما أرسل السجناء رسائلهم لأقاربهم، فوجئوا بأن جميع حراس السجن تغيرت معاملتهم لهم للأسوأ، حتى «شميدث» كان معهم ونال أقسى العقوبات.
فسأل «شميدث» بعض السجناء: ماذا كتبتم في رسائلكم هذا الأسبوع؟
فقالوا: لقد كتبنا أن «شميدث» علمنا طريقة جديدة لكي نخدع الحراس القساة ونكسب ثقتهم ورضاهم!
فلطم شميدث خديه حسرة وندامة، وجلس يسحب شعر رأسه كالمجانين.
قصة لطيفة تبعث رسالة لنا جميعاً بعدم الاستعجال بسرد أخبارك ومعلوماتك وخصوصياتك، وألا تبوح بأسرارك للآخرين مهما كانت ثقتك بهم، فبعضنا يكثر الفضفضة، التي قد يلتقطها من هو ليس أهلاً لها، وينقلها لمن لا يستحقها، فتنقلب على صاحبها، بحسن نية أو سوئها.
وما دمت لا تستطيع الاحتفاظ بسرك في صدرك، فثق تماماً أن الآخرين لا يملكون صدراً كافياً للاحتفاظ بأسرار غيرهم.
نعم.. من الجميل أن تساعد الآخرين، وتكشف لهم بعض الأمور الحياتية للاستفادة منها، والأجمل أن تعرف مع من تتكلم، وما حدود الكلام المتاح والمباح، ولعل البعض يستغل المعلومات استغلالاً سيئاً، وقد يسيؤون التصرف فيضعونك في موقف حرج، فما يتناسب معك قد لا يتناسب مع غيرك.
أعرف أحد الأصدقاء يحصل على أسعار مخفضة في التذاكر والفنادق والمشتريات، ولم يخبر أحداً إلى الآن بسره، وهناك أصدقاء يتاجرون بالأسهم والعقار داخل وخارج الكويت، ولا يخبرون أحداً التفاصيل، وهناك من تزوج اثنتين وثلاثاً ولا يعلم أحد، وهناك من يعمل في 5 – 10 وظائف ولجان واستشارات بكتمان شديد، لأن أي واحد منهم لو أفشى سره أو معلوماته فسيأخذها غيره، وليس الخوف بأن يستفيد منها بقدر ما يسيء إليها (يخرب عليه).
لذا.. تعمد الاستخبارات العالمية لاستخدام النساء، لأنهن الأقدر على استجلاب المعلومات من الرجال الحمقى، فلا تكونوا مثلهم.
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.