بالرغم من حزنه على عدم الفوز في بلديات مدن بورصة وزنغولداك وغيرسون ظهر كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، مرة أخرى في مؤتمر صحفي صبيحة 18 أبريل 2019م بمظهر المنتصر وهذه المرة بعد يوم من تسلم مرشح حزبه أكرم إمام أوغلو مضبطة بلدية إسطنبول من لجنة الانتخابات وذهابه للبلدية لمراسم التسليم من رئيس البلدية السابق مولود أويصال (حزب العدالة والتنمية).
إن الحصول على بلديتي أنقرة وإسطنبول بعد قرابة 25 عاماً من إدارة حزب العدالة والتنمية لهما هو إنجاز ليس بالقليل بالرغم من أن أغلبية المجلس البلدي في كلا البلديتين سيكون لصالح حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية (180 عضواً) وحزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد (135 عضواً).
لقد ركز زعيم المعارضة على بعض التكتيكات التي استخدمها خلال الحملة الانتخابية حيث قال: إننا لم نعتمد على التجمعات الانتخابية الكبيرة ولكننا اعتمدنا على اللقاء مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المهنية وبحثنا معهم المشكلات والحلول.
ومن الأمور المهمة التي أشار لها كليجدار أوغلو إعطاؤه هو ورئيسة الحزب الجيد أهمية قصوى وعناية خاصة للغة الخطاب المستخدمة خلال الحملة في الوقت الذي ربطتهم الحملة المنافسة على حد قوله بالإرهاب وبعداوة الدين.
ومن الملاحظات المهمة التي كانت لافتة في حديث كليجدار أوغلو هو توجيه الشكر للحزب الجيد وحزب السعادة، وفيما بدا منطقياً توجيه الشكر للحزب الجيد لأنه حليفه ضمن تحالف الأمة وقد دعم الحزبان مرشحاً واحداً في أنقرة وإسطنبول ومدن أخرى، ولكن توجيهه الشكر لحزب السعادة كان مستغرباً لأن الحزب كان منافساً له في كل المدن.
ولكن الذي يزيل الاستغراب أن حزب السعادة وهو أحد الأحزاب التي كانت داخل تحالف الأمة في الانتخابات العامة في 24 يونيو قد ساهم في خسارة حزب العدالة في هذه الانتخابات، حيث حصل مرشحه على أكثر من 100 ألف صوت في إسطنبول من كتلة كانت في الغالب تصوت لحزب العدالة والتنمية، ولو صوت 10% من هؤلاء فقط لصالح حزب العدالة والتنمية لربما فاز الحزب ببلدية إسطنبول.
لقد ارتكز إنجاز حزب الشعب الجمهوري على الفوز ببلديتي إسطنبول وأنقرة، بالإضافة لأنطاليا وأضنة ومرسين، ولكن الفوز الأهم وصاحب الدلالة السياسية هو الفوز في إسطنبول التي كانت دائماً مدخلاً للفوز بالحكم في تركيا منذ الستينيات، كما تعتبر شخصية المرشح الفائز أكرم إمام أوغلو وبما تحتويه من خصائص أثرت في يمين الوسط في تركيا لامتلاكه خطاباً وشخصية تجمع في أجزاء منها المحافظة مع احترام القيم الدينية، مكسباً كبيراً لحزب الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات وسيرتكز الحزب على شخصيات أكرم أمام أوغلو، ومنصور يفاش في الانتخابات العامة القادمة.
وقد كان واضحاً استخدام أكرم إمام أوغلو لمصطلحات تصالحية واحتضانية لكافة الشرائح بعد تسلمه بلدية إسطنبول، حيث أكد أنه سيكون رئيساً لـ16 مليون مواطن في إسطنبول.
المجلس البلدي
في ظل القرار الحالي للجنة الانتخابات باستلام أكرم إمام أوغلو لبلدية إسطنبول من المتوقع أن تظهر نقاشات وخلافات حول الصلاحيات بين المجلس البلدي ورئاسة البلدية في ظل وجود أغلبية لحزب العدالة والتنمية والحركة القومية في مجالس بلديات أنقرة وإسطنبول، خاصة أن المجلس البلدي يتمتع بصلاحيات كبيرة منها إقرار الميزانيات والديون والخطط وتقييم الأداء وغيرها.
حسم بلدية إسطنبول
مع استلام أكرم إمام أوغلو لمضبطة بلدية إسطنبول يكون بدأ بالفعل مراسم عمله كرئيس للبلدية رسمياً، ولكن هذا لا يمنع من القول أنه ما زالت فرصة ولو كانت تبدو ضئيلة تجعل هذا الفوز مؤقتاً حتى صدور قرار اللجنة العليا للانتخابات حيث قدم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية طلباً للجنة العليا لإعادة الانتخابات بسبب وجود تناقضات في الأرقام وأخطاء مادية وتسجيل لناخبين في غير أماكن سكناهم ووجود أوراق انتخابية غير مختومة.
وفي هذا السياق قال مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم “لقد تم تسليم المضبطة للسيد إمام أوغلو، أتمنى أن يجلب هذا القرار الخير، لقد تم تطبيق القانون والديمقراطية وقد ظهر عدم ضرورة إحداث التوتر وحزبنا سيستمر في استخدام حقوقه القانونية والكلمة الأخيرة للجنة العليا للانتخابات”
يظهر في كلام بن علي يلدريم أن حزب العدالة سيستمر في مطالباته القانونية مع احترامه لقرارات اللجنة العليا للانتخابات والتي بدأت بدراسة طلب حزب العدالة والتنمية. وفي تصريح حمل نفس المعاني التي تدعو للاهتمام بأجندة البلاد الرئيسية وجعل قضية الانتخابات البلدية قضية من الماضي دعا الرئيس رجب طيب أردوغان إلى ترك الجدال والسجال الحاصل حول الانتخابات المحلية، والالتفات إلى المسائل الاقتصادية والأمنية وتوطيد وحدة البلاد.
وقد قال أردوغان: “علينا ترك الجدال والسجال الحاصل حول الانتخابات المحلية، والالتفات إلى المسائل الاقتصادية والأمنية، فالمصافحة والعناق وتوطيد وحدتنا سيكون عنوان المرحلة المقبلة”. وأضاف “انتهى الجدل الذي ساد خلال فترة الانتخابات المحلية، الجميع الآن يتجهون إلى حياتهم اليومية ويركزون على أعمالهم”. وفي نفس الوقت أكد أردوغان على الاستمرار في ممارسة حق الحزب القانوني في الاعتراض، وأن الكلمة الأخيرة ستكون للجنة الانتخابات العليا.
من الجيد أن نقول أن استلام المضبطة لا يعني انتهاء الأمر 100% فهناك عمليات سحب للمضبطة تمت بقرار اللجنة العليا للانتخابات بعد تبين حدوث تغيير في النتيجة بناء على نتيجة تقييم الاعتراضات والطعون ومع أن حالة إسطنبول لا يرجح فيها قرار إعادة الانتخابات.
ولو افترضنا أن اللجنة العليا للانتخابات قررت إعادة الانتخابات في إسطنبول فإن تغيير النتيجة لصالح حزب العدالة والتنمية ليس أمرا محسوما هذا من ناحية كما أن إعادة الانتخابات سيكون له تأثير سلبي على صورة تركيا بالرغم من أن العملية تجري في إطار القوانين الانتخابية والأهم من ذلك هو تأثيرها السلبي على الاقتصاد ولعل هناك إشكالية أخرى أكبر ستظهر لو قررت المعارضة الاحتكام إلى الشارع بدل الصناديق وهو ما لا يبدو وارداً حالياً في ظل احترام الجميع لقرارات اللجنة العليا للانتخابات في إسطنبول.
في ظل القرار الحالي ستكون رئاسة بلدية إسطنبول فرصة كبيرة لأكرم إمام أوغلو لإثبات نفسه ولتحقيق مكاسب يمكن تحويلها من البعد الخدمي إلى البعد السياسي في أي استحقاق انتخابي قادم ولكن هذا سيحتاج لتحقيق إنجازات كبيرة يراها المواطن عملياً في إسطنبول.
__________________________
(*) باحث مختص بالشأن التركي.